هذه قصة حقيقية بكامل تفاصيلها ، حدثت مع جارنا
الموظف الصغير في المديرية العامة للشؤون العقارية ، والساكن في قبو البناء الذي أعيش
فيه. مضى عليه يومان، لم يستطع خلالهما النوم ولو
لدقيقة واحدة ، اتصل بمديره ، وطلب إجازة إدارية لمدة أسبوع . جلس وحيداً يشعر بالقلق
والإرهاق ، إنه يرزح تحت ضغوطات مالية كبيرة ، فأجرة البيت ستستحق بعد أسبوع ، وعليه
ديون كثيرة ، يجب تسديدها في نهاية الشهر . لا شيء أسوأ من الوحدة في حالات الاضطرابات
النفسية ، عادت به الذكريات إلى أيام طفولته التعيسة ، وانتحار والده عندما كان في
العاشرة من عمره ، دخل في مرحلة الاكتئاب ، وتذكر أنه شخص فاشل في مدرسته منذ صغره
، وأنه الآن وبعد أن أصبح شاباً ، لم يحقق نجاحاً واحداً مهماً في كل حياته المهنية
، فأصابه الإحباط ، وراودته في لحظتها فكرة الانتحار. دخل إلى الحمام ليأخذ دوشاً من الماء الساخن
ليستعيد نشاطه ، وبينما هو واقف يطيل النظر بالمرآة ، ظهر له خيال لشخص صورة طبق الأصل
عنه ، فتوهّم أنها مجرد تخيلات ناجمة عن قلة النوم ، ولعدم قدرته على التركيز ، لكنه
بعد أن دخل غرفة المعيشة ، وجد هذا الشخص جالساً أمامه على الكنبة ، ما أثار الذعر
في نفسه ، وتأكد في لحظتها ، أن ما تراه عيناه هو الحقيقة ، وليس مجرد هلوسة وأحلام
يقظة. قرّر أن يذهب لعيادة الطبيب المتعاقد مع المديرية
، لأن الضمان الصحي يغطي تكلفة العلاج ، لكنه فكّر ثانيةً ، ماذا سيحدث عندما يخبر
الطبيب ، بأن هناك شبحاً يشبهه ويعيش معه في البيت نفسه ، ربما يتهمه بالجنون ، وسيصبح
مسخرة الموظفين بالمديرية ، ومن المحتمل أن يستغنوا عن خدماته. هداه تفكيره للذهاب إلى الصيدلية القريبة من
بيته ، لما دخل ، شاهد الصيدلاني وجهه الباهت وعينيه المنتفختين ، وأخذ يُبيّن للصيدلاني
بأنه لا يستطيع النوم من كثرة الضغوطات المالية المترتبة عليه ، فشعر الصيدلاني بالشفقة
عليه، وأعطاه علبة من الحبوب المهدئة للأعصاب ، ورفض أن يتقاضى ثمنها ، وطلب منه أن
يأخذ منها حبة واحدة قبل النوم. بالفعل لما عاد إلى بيته أخذ حبة واحدة ، شعر
بعدها بالاسترخاء والسعادة ، ونام لفترة قصيرة . بعد أن استيقظ أخذ حبة ثانية للوصول
إلى المفعول والمشاعر نفسها التي حصل عليها من الحبة الأولى . الأدوية المهدئة للأعصاب
تخفف من أعراض الحالات العصبية ، ولكنها لا تشفيها ، واستمرّ يأخذ الحبة تلو الأخرى
ليحصل على الهدوء والسكينة . بعدها اتصل بصديقه محمود ، وشرح له ما يعانيه من اضطرابات
نفسية تجعله على شفير الانهيار ، فأخبره بأنه سيمرُّ عليه بعد انتهاء الدوام ، ليصطحبه
إلى شيخ روحاني قدير ، ليعالجه من هذا الوسواس من دون مقابل. عندما دخلا بيت الشيخ ، حملق الشيخ طويلاً في
وجهه الباهت ، ولاحظ آثار التعب والإجهاد المرسومة عليه ، فأجلسه أمامه على الأرض ،
وبدأ يقرأ وينفث في وجهه . بعد أن انتهى من القراءة ، أخبره بأن جنياً دخل إلى جسده
وتلبسه ، نتيجة إصابته بالعين من بنت خالته التي تخطط للزواج منه . اندهش من هذه الخبرية
، فبنت خالته الوحيدة هي سلمى ، التي توفيت منذ أكثر من خمس سنوات ،تذكّر إعجابه بها ، ولطالما كانت دائماً بطلة أحلام
اليقظة التي يمارسها ، كما أنه سيحتاج إلى الشيخ لطرد الجني ، وإلى أن يقوم الشيخ بشراء
ذبيحة ليقرأ عليها بعض التعاويذ ، ثم يوزعها على الفقراء ، وهو لا يبغي لنفسه أي منفعة
من وراء ذلك سوى مرضاة الله ، لما سمع بضرورة شراء الذبيحة ، غادر بيت الشيخ فوراً
، فالموضوع خارج عن إمكانياته. جاء اليوم الرابع وأحواله تزداد سوءاً ، فخيال
توءمه يظهر أمامه كلما وقف أمام المرآة ، ما أثار في نفسه كثيراً من الضيق ومن المخاوف
غير المنطقية . خمّن أنه ليتخلص مؤقتاً من هذه المعاناة ، ومن جو الاكتئاب المخيم على
البيت ، فعليه أن يتصل ببائعة هوى اعتاد على مخالطتها ، لتحضر إلى شقته . في بادئ الأمر
رفضت القدوم إلى منزله ، بسبب أنه في المرة الماضية لم يدفع لها أتعابها ، لكنه أقسم
لها إنه سيعوِّض عليها في هذه المرة. حضرت المومس حسب الموعد إلى بيته ، وأطلق لتخيلاته
العنان في أثناء ممارسته الجنس ، وتصوّر أن شريكته هي ابنة خالته سلمى ، محاولة من
عقله اللاواعي للتصدي لفكرة أنه شخص منبوذ، لا يمكنه أن يمارس الجنس إلا مع العاهرات
. بعد أن انتهى من العملية ، اصطدم الخيال المبالغ فيه مع الواقع ، فشعر بالغثيان والرغبة
في التقيُّؤ ، فدخل عارياً بسرعة إلى الحمام ، عندما مرّ أمام المرآة شاهد صورة قرينه
، وقد ظهر بشكل وحش قبيح يميل لونه إلى السواد ، فشعر بالقرف من نفسه ، وخرج راكضاً
إلى الخزانة الموجودة في غرفة الجلوس ، وأخرج المسدس الذي كان أبوه قد انتحر به قبل
عشرين عاماً ، وعاد به إلى الحمام. نظر من جديد إلى المرآة ، فوجد صورة الوحش وهو
يضحك ساخراً منه ، أخذ المسدس وأطلق النار على رأس هذا المسخ ، فوقع على أرضية الحمام
مضرجاً بدمائه ، سمعت صاحبته وهي مستلقية على الفراش صوت الطلقة النارية ، تلاها صوت
جلبة في الحمام ، فدخلت وشاهدت زبونها على الأرض غارقاً في دمائه ، والمسدس ملقى إلى
جانبه. قررت في بادئ الأمر أن تتصل بالشرطة ، لكنها ترددت
قليلاً ، فهي تعرف بأن الشرطة سوف تحقق معها ، وتسألها عن علاقتها بالقتيل ، وستقع
حتماً في مشاكل هي في غنى عنها . ارتدت ملابسها بسرعة ، وهمت بمغادرة الشقة . وبينما
هي في طريقها للخروج ، تذكرت أجرة أتعابها وأتعاب الجلسة السابقة ، فشعرت بأنه ظلمها
واستغلها . أخرجت محفظة نقوده من بنطاله ، فوجدت فيه ورقة واحدة بعشرة دولارات ، فدستها
في حقيبتها ، جنَّ جنونها ، لأنها تأكدت بأنه كان مفلساً ، وأنه كان يحاول أن يغدر
بها للمرة الثانية . نظرت حولها في البيت لعلها تجد شيئاً صغير الحجم وثميناً بالوقت
نفسه ، لتصادره وتأخذه معها ، تعويضاً عن حقها المهدور ، فلم تجد شيئاً. خطر على بالها ، أن تأخذ المسدس الموجود على
أرضية الحمام ، لتبيعه إلى أحد زبائنها ، دخلت الحمام ، ورفعت المسدس من على الأرضية
، ومسحت آثار الدماء الموجودة عليه بفوطة معلقة على الحائط ، ثم وضعت المسدس في حقيبتها
، واتجهت نحو الباب. عندما فتحت الباب ، فوجئت بعدد من الجيران المتجمعين
أمامه ، نتيجة لسماعهم صوت الطلقة النارية محاولين أن يعرفوا ماذا حدث في بيت جارهم
. أغلقت الباب خلفها بهدوء ، وشقت طريقها بسرعة بين الشباب ، صاعدة الدرج وقلبها يخفق
بجنون من شدة خوفها ، عندما وصلت الدرجة الخامسة ، وجدت شاباً منتصباً أمامها :
"مدام عليك انتظار وصول شرطة النجدة ، لقد طلبناهم بالتلفون ، وهم الآن في طريقهم
إلى هنا ، ربما سيحتاجون إلى أخذ إفادتك.
أضف تعليق