الخليج العربي: تسمية تاريخية كلاسيكية وعلمية له قبل ان تكون تسمية قومية ! أ.د. سيار الجميل
لقد اثارت ايران اعتراضاتها ضد العراق لتسميته الخليج العربي بتسميته الحقيقية لا المزيفة ، اذ تعتقد خطأ ان اسمه هو " الخليج الفارسي " وتصرّ على ذلك اصرارا مفضوحا باستدعائها اليوم السفير العراقي في طهران وابلاغه اعتراضاتها ، وهو امر لم يستدعني ابدا للرد عليها ، ولكن اثارني موقف بعض العراقيين الذين يصفقون لايران اذ يعتبرونها امهم الرؤوم ، وهم ينساقون وراء ما تروجه في الثقافة والسياسة والاعلام ، بل ويصوّرون للناس ان الخليج العربي هي تسمية عنصرية بعثية ويعتقدون اعتقادا راسخا ان هذا الخليج فارسيا ايرانيا ( كذا ) .. ولكي ارد على هؤلاء وعلى جهلهم وسفاهتهم ، رجعت الى كتابي الذي هو قيد النشر الان بمجلدين وعنوانه : التكوين التاريخي للخليج العربي وشرقي الجزيرة العربية " وهو جزء من مشروع علمي استغرق 5 سنوات من حياتي .. لكي نثبت للعالم كله ان هذا الخليج هو عربي وليس بفارسي او ايراني مهما حاولت ايران واتباعها تسويق بضاعتها الخاسرة باعتراضاتها الواهية .
فماذا قلت في الفصل الثالث من الكتاب :
التسمية التاريخية وملكية البحر
تكمن أهمية منطقة الخليج العربي في نسبتها إلى الممر المائي الذي تطل عليه دول هذه المنطقة، خاصة من جهة ساحله الشرقي. والحقيقة أن نسبة هذا الممر المائي إلى العرب أو تسميته بالخليج العربي لم يكن من العرب أنفسهم، فقد عرفت هذه التسمية منذ أقدم العصور. وأقدم اسم معروف لهذا الخليج حتى الألف الثالث ق. م هو "بحر أرض الإله"، ثمّ حتى الألف الثاني ق. م أصبح "بحر الشروق الكبير". وفي الألف الأول ق. م سمي "بحر بلاد الكلدان". ثمّ أصبح اسمه "بحر الجنوب" خلال النصف الثاني من الألف الأول ق. م؛ إذ أسماه الآشوريون والبابليون والأكديون "البحر الجنوبي" أو "البحر السفلي ، كما وردت تسمية خاصة به مستوحاة من الماضي القديم المزدهر بحضارات الإنسان القديمة؛ إذ أطلق عليه "بحر الأساطير".
وقد سماه الفرس "بحر فارس"، وقيل إن هذه التسمية عرفت في أول الأمر لدى الملك الفارسي دارا الأول (521-486 ق. م.) في كلامه عن البحر الذي يربط بين مصر وفارس. أمّا أول من أطلق عليه "الخليج العربي" فهو المؤرخ الروماني بلينيوس في القرن الأول الميلادي، ويسمى أيضًا، گايوس پلينيوس سـِكوندوس Gaius Plinius Secundus (كان حيًا في 23 - 25 أغسطس/ آب 79م). اشتهر باسم پليني الأكبر، هذه الفترة التي كانت فيها المنطقة بالكامل بما فيها سواحل هذا الخليج الشرقية والغربية، عربية أو فارسية، تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية. ولا شك في أن هذه التسمية التي أطلقها الرومان على هذا الخليج في ذلك الوقت إنما ترجع إلى سيطرة العرب على المراكز التجارية والملاحية على امتداد هذا الممر المائي لفترات طويلة في التاريخ في ذلك الوقت.
وقد دفع ذلك الكثير من المؤرخين حتى في الغرب إلى القول إن الخليج ليس فيه شيء فارسي سوى اسمه، وإن اسم "الخليج العربي" يمثل حقيقة جغرافية ثابتة. تشكل منطقة الخليج العربي، وما فيها من المدن القديمة والحديثة، أهمية كبرى حضاريًا واقتصاديًا، إلى جانب ما لهذه المنطقة من تأثير قوي في الأوضاع السياسية والاقتصادية في العصر الحديث، ليس فقط في الشرق الأوسط فحسب، وإنما في العالم أيضًا. فقد كان لهذه المنطقة وجود قديم ضارب في أعماق التاريخ، وكانت على مر العصور مصدرًا للخيرات التي أغرت بعض القبائل بالنزوح إليها واستيطانها، كما وفدت إليها أسر قادمة من بلاد عربية كثيرة. وقد سكنت هذه القبائل منطقة الخليج ووجدت في رحابها رخاء العيش وأمن الحياة، وامتدت فروعها إلى الوقت الراهن. وطوال تاريخها ظلت منارة للعلم ومصدرًا للخير ونافذة لكل العالم كونها تتوسط العالم، بل وكانت دومًا ملاذًا لمن جار عليهم الزمن.
الثبت الكلاسيكي لعروبة الخليج العربي : الكلاسيكيات الأولى
كان الاسم الذي يُطلق على الخليج في العصور القديمة، كما دلت النقوش الأكدية، البحر الأدنى أو المر Lower of Bitter Sea، ويقابله فيها البحر الأعلى Upper Sea وهو البحر الأبيض المتوسط. والراجح أن الإسكندر الأكبر Alexander the Great الذي كان يطمح إلى أن يحمل لقب "ملك العالم" هو أول من سماه "الخليج الفارسي". فقد أرسل القائد الهيليني الشهير المقدوني أسطوله بقيادة أمير البحر نيارخوس إلى المحيط الهندي، بحثًا عن الاكتشافات الجغرافية في منابع الشمس، في مغامرة بحرية علمية من أروع المغامرات التي جرت في العصور القديمة.
توصيف المؤلف الروماني بليني Pliny
ومع ذلك، فمنذ القرن الأول الميلادي نرى مؤرخًا شهيرًا هو المؤلف الروماني بليني Pliny (62-113م) يسمي الخليج باسمه الصحيح؛ أي الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجّح الباحثون أنها مدينة المحمرة . وننشر ما قاله بليني حرفيًا:
وترجمة النص: " تقع مدينة خاراكس في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزًا من العربية السعيدة (أودايمون) وهي قد تمّ بناؤها بمهنية كبيرة، بحيث كان نهر دجلة إلى يمينها، ونهر ايولاوس على يسارها، كما تقع في بقعة تبلغ مساحتها ثلاثة أميال، تقع عند نقطة التقاء هذين النهرين. وكان الإسكندر الكبير قد أسسها وأمر أن يُطلق عليها اسم الإسكندرية. وقد لحق الدمار هذه المدينة بسبب الفيضانات النهرية، فأعاد بناءها أنطيوخوس بعدئذ وأطلق عليها اسمه. وبما أنها هدمت المرة الثانية، فقد أعاد بناءها "باسينس" ملك العرب في الأراضي المجاورة، وأقام على ضفتي النهرين سدودًا لرد المياه عنها وحمايتها، وأسماها باسمه. وكان طول هذه السدود ثلاثة أميال وعرضها أقل من ذلك بقليل. وكانت تبعد أول الأمر ما ينيّف على الميل عن الضفة، حتى أنها كانت تملك ميناء خاصًا بها".
توصيف الجغرافي الشهير سترابون Strabo
لقد استخدم العديد من الجغرافيين والمؤرخين الكلاسيكيين في العصور القديمة اسم "الخليج العربي" بسبب الوجود العربي على كل موانئه وجزره، وعلى رأسهم الجغرافي الكلاسيكي الشهير سترابون Strabo (ت. 19م أو بعد 21 م) وكان العرب القدماء يسمون الشاطئ الممتد من البصرة إلى عمان "الخط"، وهو يضاف أحيانًا فيُسمى "خط عبد القيس"، ويمتد اليوم ليشمل الكويت وقطر والبحرين ومدائن الأحساء الساحلية الجميلة وهي القطيف والجبيل والدمام والخبر وميناءي رأس تنورة والعقير ومدينة الظهران التي تعد اليوم من أهم المراكز الساحلية لتصدير النفط نحو العالم، وهناك مشيخات أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وأم القوين ورأس الخيمة والفجيرة حتى الانتهاء عند رأس مسندم.
من اهم المصادر المعتمدة :
Roderic Owen, The Golden Bubble, Arabian Gulf Documentary (London, Collins, 1957), pp. 11-35.
انظر: قدري قلعجي، الخليج العربي: بحر الأساطير، ط 2 (بيروت: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، 1992).
J. J. Berreby, Le Golfe Persique. p. 190.
عن واحدة من الخرائط القديمة.
Herodotus, The History of Herodotus, parallel English/Greek, vol. 1(English translation) (London and New york: G. C. Macaulay, 1890), p. 213.
A. Wilson: The Persian Gulf. P, 30 انظر أيضًا: العرب والملاحة في المحيط الهندي، ص44
HORACE L JONES, (ed. and tr.), The Geography of Strabo, Vols. 1-8, containing Books 1-17, vol. 7 (Harvard: Harvard University Press and Heinemann, 1917-32 ), p. 267.
أضف تعليق