الثلاثاء، 31 يناير 2023

السمات الفنية للشعر عند مدرسة الديوان ( بداية القرن التاسع عشر الميلادي) - د. محمد ضباشه - عضو اتحاد كتاب مصر

 

 
أدت الأوضاع السياسية المؤلمة والاستعمار الذي احتل العديد من الدول العربية في هذا الوقت وما خلفه من تحطيم الشخصية العربية الإسلامية ونشر الفوضى في البلاد أن يجتمع ثلاث من الشباب في عام 1909 وهم عباس محمود العقاد، إبراهيم عبد القادر المازني،  وعبد الرحمن شكري والمتأثرين بالرومانسية في الأدب الإنجليزي، ولديهم اعتزاز بهويتهم العربية من تكوين اتجاه جديد في كتابة الشعر يرفض الماضي بكل ما فيه وأعلنوا تمردهم على الشعر الكلاسيكي القديم الذي تمثله مدرسة الإحياء ومن أبرز روادها أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والرافعي، وفي الديوان الذي ألفه العقاد والمازني تحت عنوان ( الديوان في الأدب والنقد) عام 1921 م ،  هاجموا فيه هؤلاء بأنهم ينظرون إلى الخلف و يعيشون في ظلال القديم ويتخذون الصور الخيالية القديمة مثل أعلى في شعرهم الأمر الذي أدى إلى سيطرة الجانب الخيالي علي الفكر والمضمون والبعد عن تصوير خلجات النفس الإنسانية والإهتمام بقشور الأشياء وعدم وضوح الشخصية الشعرية لكثرة اعتمادها على التقليد والنقل من القديم بالإضافة إلى عدم مراعاة الوحدة الفنية للقصيدة لكثرة انتقالهم من غرض إلى غرض داخل القصيدة الواحدة وعدم وجود الصدق في أغلب أشعارهم.
 دعوا أصحاب مدرسة الديوان إلى التجديد في الشعر من حيث المضمون والبناء واللغة، هربا من الواقع لعدم قدرتهم السيطرة عليه واتجهوا نحو واقع الأحلام والخيال ليبثوا للطبيعة آمالهم الضائعة متأملين في الكون، متعمقين في أسرار الوجود ليعبروا عن مأساة عصرهم بتجارب جادة ومواقف صادقة متجهين بشعرهم إلى الذات الإنسانية محلقين في الخيال محتفظين بهويتهم العربية ومتأثرين بالرومانتيكية الإنجليزية.
ويرى أنصار هذا الإتجاه أن الشعر وجدان  يعبر عن ما يدور في النفس البشرية وما يتصل بها من التأملات الفكرية والنظرات الفلسفية  بشكل صادق وواضح ولذا يجب نزع الأقلام  إلى الاستقلال ورفع غشاوة الرياء والتحرر من القيود الصناعية في كتابة الشعر ولذلك تلمح العديد من الخصائص الفنية التي يجب توافرها في قصيدة الشعر عند أصحاب هذا الإتجاه وهي:-
1- الطموح: هو التطلع إلى المثل العليا وكأنهم يبحثون عن مدينة أفلاطون إلا أن طموحهم تجاوز الواقع ومن الصعب تحقيقة  .
2- الفكر:  تفوق الفكر على العاطفة عند جماعة الديوان وذلك بسبب تعمقهم في جوهر الظواهر.
3- القصيدة:  تشبه الكائن الحي لكل جزء  وظيفة يقوم بها وتجتمع تلك الأجزاء في وحدة فنية  .
4- الوحدة الفنية والعضوية : يقصد بالوحدة الفنية العضوية بوحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي بحيث لا يكون البيت وحدة القصيدة بل هي وحدة متماسكة في موضوع واحد اذا حذف بيت او نقل من مكانه يخل بها مع ملائمة الألفاظ والصور للجو النفسي    بالإضافة إلى اهتمامهم بوضع عنوان للقصيدة وتجاوز بهم الأمر وضع عنوان للديوان ليدل على الإطار العام للديوان.
5- الجمع بين الثقافة العربية والثقافة الإنجليزية
6- التأمل في الكون والتعمق في أسرار الوجود
7- الصدق  في التعبير وعدم المبالغة
8- لمسة الحزن والألم والتشاؤم في شعرهم
9- التخلص من تأثير الآداب القديمة واستخدامهم لغة العصر
10- التعمق في جوهر الظواهر مما جعل الفكر يسبق الشعور والعاطفة
11- البعد عن شعر المناسبات والموضوعات السياسية والاجتماعية واعتبروه من قبيل النظم.
12-  الفرار إلى الطبيعة ليبثوا لها آمالهم الضائعة وأحلامهم المفقودة
وفي النهاية تفككت مدرسة الديوان لوجود خلافات  بين شكري والمازني في بعض القضايا الأدبية وانحياز العقاد إلي المازني وانصرف كل منهم في طريق فقد توقف شكري عن كتابة الشعر وانصرف المازني إلى كتابة القصة والمقال الصحفي وظل العقاد بمفرده ممثلا لهذا الاتجاه في الشعر إلا أنه اعتبر أن الشعر يأتي في المرتبة الثانية عنده بعد كتاباته السياسية والاجتماعية والأدبية والاسلامية،  ومازال هناك  تلاميذ يمثلون هذا الإتجاه في كتابة الشعر.

هناك تعليق واحد:

يمكنك التعليق هنا