الأحد، 29 يناير 2023

الفناء/ البقاء - رشا مكي

 


الفناء تعني الزوال والهلاك والإبادة؛ والمصدر "فنى". أما البقاء فتعني المكوث، الثبات، الاستمرار؛ و المصدر "بقى".. ولكن من خلال البحث وجدت أن معنى المصطلحين قد يختلف، أو قد يبتعد حتى عن التعريف. وهذا ما دفعني لكتابة (الفناء/البقاء) بهذا الشكل.
لأنه بعد البحث قد يتكشف لنا أن الفناء والبقاء ربما يحملا معنى بعضهما البعض، أو قد يفقد كلا المصطلحين المعنى، وإما أن يكتسبا معاني جديدة، أو لا يكتسبا أي معنى.
 
الفناء/ البقاء (الصوفي)..
 
والفناء في الصوفية يعني الغياب عن النفس والعالم بكل ما فيه، وذهاب الحس والوعي، والبقاء مع الله، ولكن الملفت في التعريف أنه يمكن التنقل بين الفناء والبقاء، فإن لم يكن الشخص في الأول كان في الثاني، وإن لم يكن في الثاني كان في الأول
ويعتبر التصوف الوحيد الذي يحدث فيه حالة الديالكتيك، أو الفناء/ البقاء، ويمكن الانتقال من الفناء إلى البقاء، والعكس.
 
الفناء/ البقاء (الداروني)..
 
بمعني الاستمرار، وذلك عن طريق نقل الجينات للاجيال التالية، التركيز على نقل أفضلها وقضاء الوقت في العناية بهذا النسل.. والتضحية من أجله .. فاختيار فكرة الانجاب، وتقديم كل ما يمكن لتحقيق الفكرة؛ وحتى مسألة التعاطف مع الصغير والشعور بالحنان اتجاهه.. هذا يعد تعريفًا للبقاء. في المقابل الفناء يعني التوقف عن كل هذا.
وهنا يرتبط البقاء باستمرار نقل الجينات الأفضل للأجيال التالية، كما يرتبط باستمرار النوع، والفناء بنقل جينات رديئة لا تساعد الأجيال التالية على الاستمرار، كما يرتبط أيضًا بانقراض النوع.
 
الفناء/ البقاء (المقدس)..
 
وهو فناء الغير مكتمل في سبيل بقاء الأكمل. مثال على ذلك.. (الانتحاري، الفدائي، الاستشهادى)، أو الذي ينظر للحياة الدنيا على أنها عالم الفناء؛ وبالتالي فإن الموت بالنسبة له هو الانتقال من أرض الفناء (دار الفناء) إلى حياة الخلود (الجنة).. (دار البقاء) .
وعليه، فإن البقاء هنا يحمل عليه معنى الأبدية، والفناء يحمل عليه معنى اللحظية وينتهي بالموت.
 
الفناء/ البقاء (الوجودي)..
 
البقاء هنا يعني التحقق على مستويين.. الأول: وهو التحقق الفيزيائي أو التواجد الجسدي، والثاني: وهو التحقق الذاتي؛ وعليه يمكن اعتبار أن وجودي في صورته الحالية هو البقاء.
بالتالي يكون الفناء على مستويين أيضًا.. الأول: وهو الفناء الفيزيائي أو موت الجسد، والثاني: وهو موت/فناء الذات.
وهنا نصل إلى أن الفناء الوجودي أكثر ثبات واستمرارية عن البقاء الوجودي، فمهما طال البقاء مصيره إلى فناء.
 
الفناء/ البقاء (الجندري)..
 
مثال على ذلك.. الأطفال تحمل أسماء الأباء، لا الأمهات؛ ما يعزز فكرة الميل إلى إنجاب الذكور أكثر من الإناث لاستمرار النسب؛ وهنا يصبح دور المرأة هامشيًا وبالتالي هي رمز للفناء ويصبح الذكور رمز للبقاء.
الفناء/ البقاء هنا يرتبط بالجندر..كارتباط البقاء بالذكور لأنها تحافظ على استمرار سيرة الشخص ونسبه، في حين يرتبط الفناء بالإناث لأنهن لا يحققن نفس الغاية.
 
كل ما سبق، يدفع للتساؤل إذا كان مفهوم الفناء/ البقاء واضح في العقل .. فلماذا يختلف في التطبيق والإدراك؟ كيف يمكن تحديد تعريف واضح لمعنى الفناء/ البقاء؟
يعتقد البعض أنه يمكن اختيار أحد التعريفات السابقة أو اختيارهم جميعًا، أوحتى إيجاد معنى آخر؛ ولكنى هذا التعدد يكشف عدم وضوح المعنى.
وهذا يقذف في عقلك سؤال أكثر جرأة.. هل هناك ما يسمى بالفناء/ البقاء؟ وإن كان هناك فما هي حدود هذا المصطلح؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

يمكنك التعليق هنا