مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

هل الزواجُ هو مقبرةُ الحُبِّ؟ نجاح علي

 


مقولة تُنقَضُ عندما نرى أزواجاً يعيشونَ بالحُبِ الذي لا ينضَبُ ولا يشيخُ أبداً..
إنّ الحُبَّ لا مقبَرَةَ لهُ إلا إذا كان حُبّاً شهوانيّاً مُراهقاً، بُنيَ على مشاهدَ من مُسلسلاتٍ تُسوّقُ الحُبَّ على أنهُ قِصّة تستوجِبُ دفعَ الثّمَنِ، أو تجربة درامية لا تخلو من العذاب والدموع التي يصنَعُها المُستحيل، أو من صفحاتِ رواياتٍ لأشخاص لم يذوقوا الحُبَّ يوماً ويحلمونَ به كالقُرَّاء الذين يشترونَ أوهامهم وحسراتهم.
ليسَ الحُبُّ هو الانكماش وانقباض الأحشاء عند رؤية الحبيب فقط، بل هو البقاءُ على العهد، والالتزام والشعور بالنُضجِ، وأهم من هذا كلّه الاحتفاظ بالصّواب وعدم فقدانه. فكل هذه الأمور لا يصلحُ الحب دونها، ولا يمكن أن ينمو إلا بها، فكُلها تنبُعُ من وعي وليسَ من مجرد عاطفة.
فهل فعلاً يفقد الرجلُ صوابهُ عندما يحب بينما المرأة تحتفظ به؟
بالعادة ينشأ الحب في ظروفٍ استعدادية له، فيتم استقبالهُ بكلّ أريحية، وغالبية المُحبين يسقطونَ في شباكِ الحُبّ الذي يعكس لكل طرفٍ الصورة المثالية عن الطرفِ الآخر، ليضعهما في حالة "إيفوريا" -نشوة- ومَغنَطة، يختزلُ الرجل كل النساء بحبيبته، وتختزل المرأة كل الرجال بحبيبها.
هل المشاعر هذه صادقة أم مُفتعلة دون وعي؟ وهل هي مؤقتة أم أبدية؟ هل الصدق وحده يكفي؟ وهل سيبهت لون الحُبّ بغسيل السنين وتغيّر وتبدّل الظروف؟
إن الحب الصادق لا يذبُل ولا ينتهي بانتهاء مسببات حدوثه، هو المتجدد والأزلي، الذي لا ينضبُ فيه الحوار ولا ينتهي الكلام، ولا يُنقَضُ العهد حتى بالقُرب، ربما لن نستطيع أن نعرف إلى أي مصيرٍ سيؤول الحب إلا إذا تم تضييقُ المساحة، وتكسير الجليد بـ"الزواج".
فالحب المُستعار من الأساطير والخرافات المسلسلية سيذوب ويموت؛ لأنه حُبٌّ لم نخلقهُ نحن، ولم نكتب أحداثه بأنفسنا، بل نسخنا أحداثهُ وقلّدنا أبطالهُ في البُعد، وفي القُرب لا يبقى إلا المُختلِف والحقيقي، و"نحن"، وستُبدو سوءة كُل مُحبٍ لحبيبه وتتضّحُ الرؤية، فأبواب الجنة أُغلِقَت وتمّ الطّردُ، وبدأت المواجهة والمُكاشفة، وبدأ العد التنازلي لحياة حُبٍ جديدة أو لموتِ حُبٍ جديد.
من المُحزن أن تُكلَّل قصص حُبٍ عابرة وطفولية بالزواج، قد تكون ظروفنا المجتمعية والدينية هي التي تفرض هذا الطريق، فلا سبيلَ آخر ولا مهرب آخر ولا ملجأ آخر يُجرُّ هذا الوهمُ إليه، لاهثين وراء المثالية المبتذلة.
نحنُ ننظر للزواج بعين البساطة والعبثية، يمر البعض بأزماتٍ عديدة من اختيار شريك الحياة، وبعد الزواج يواجه الاثنان بعضهما في أول تجربة ومعرفةٍ كُليَّةٍ لهما عن قرب، لتبدأ مشاكل سنة أولى زواج، فلا أحد يُحضر نفسه ويؤهل نفسه بشكلٍ جدي للزواج، فننتقل من رغبة جامحة للاستقرار لنجد أنّ لا استقرار -كما ظننا- في الزواج، بل هي حياة جديدة ومشروع جديد لم نفهم كنهه قط، ومدرسة لم نتعلم عنها شيئاً إلا بعد الولوج إليها.
إن تجربة الولادة قاسية وعالم من الألم، ولا تستطيع الأم التي لم تلد بعد أن تتصورها وأن تشعر بها مهما قرأت وسمعت عنها. كذلك هو الزواج، عالم لا يُفهم إلا بالتجربة، ولا يُرى إلا بالمعاشرة. ولكننا بكل أسف ما زلنا نعاني أزمةً في التعاطي مع هذا المشروع المهم.
نحن نتزوج دون رخصة للزواج ودون تأهيل، ليلقى كُلٌّ حظه، كما كان حظ العريس الذي لا يرى وجه زوجته إلا يوم العرس.
فحالات الطلاق التي في تصاعد هي نتيجة هذا الإهمال والتهميش لهذه الأهمية، بالإضافة إلى الطلاق العاطفي الذي يملأ البيوت غير المُفككة.
لا أحد يجب أن يُقصي نفسه من هذه الأزمة، المتزوج قبل الأعزب، إن نشر الوعي والتمركز حول أهم قضايانا هو مسؤولية الجميع، فاسأل نفسك ماذا فعلت؟ وماذا ستفعل لتجعل حياتك أنجح؟
 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.