مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

هاشم الطعان شاعر الخمسينات المبدع - معد الجبوري

 


      في تعقيب للروائي الموصلي الكبير المغترب محمود سعيد، على عرضه لكتاب (ذكريات حياة حافلة) المنشور في  بيت الموصل، يقول: ( هناك أدباء مواصلة في القمة لكن لا أحد يعرف عنهم شيئاً: هاشم الطعان. غانم الدباغ، سالمة صالح وغيرهم كثير )
لقد أعادني هذا التعقيب إلى مقالة عن الشاعر الموصلي هاشم الطعان، كنت قد كتبتها عام 2007 ضمن ما كنت أكتبه لموسوعة أعلام العرب والمسلمين التي تصدرها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( ألسكو ) يعزز ذلك لديَّ أن الطعان كان أحد أصدقائي منذ مطلع سبعينات القرن الماضي، يوم صدرتْ أول مجموعة شعرية لي، فمن هو هذا المبدع؟
هاشم سعدون حسن الطعَّان شاعر وباحث عراقي ولد في مدينة الموصل سنة 1931م، وأنهى دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ومارس التعليم فترة، بعد تخرجه من دار إعداد المعلمين. وكان له نشاط أدبي في مدينته الموصل في الخمسينات والستينات من نشر في الصحف ومشاركة في التجمعات الأدبية, وإصدار الكتب الشعرية. وبعد سنين أكمل دراسته الجامعية الأولى في جامعة بغداد، ثم حصل على الماجستير والدكتوراه في السبعينات. فيما كان له في ميدان الفكر والسياسة نشاط بارز، فهو رجل تقدمي يساري عُرف بحضوره في الشأن السياسي العراقي.
وللطعان علاقة بعيدة بالشعر تعود إلى  مرحلة طفولته، تحدث عنها في مجلة الإذاعة والتلفزيون  بكلمةٍ جاء فيها: (التقيتُ شاذل طاقة في المدرسة الخزرجية الابتدائية للبنين بالموصل.. كنتُ في الصف الأول وكان في الصف الرابع. وأذكر أنني وقفتُ على رأس حلاّق المحلّة وكان شاذل يقرأ قي كِتابٍ ما ، أثار انتباهي أنَّ بعض فقرات الكتاب كانت تنتهي بنفس الحرف وهي مرتّبة ترتيباً معيَّناً فسألته عن السر في ذلك، فقال:
هذا شعر ).
ثم تمضي الأيام وتبدأ محاولات الطعّان الشعرية.. ويعود الشاعر شاذل طاقة من بغداد إلى الموصل بعد أن أصبحَ من روَّاد قصيدة الشعر الحر في العراق.. فيُلقِي محاضرةَ يقول الطعان عنها: إنها ( أثارت ضجة ولكنها فعلت في الشباب فعل السحر ، فإدا بنا من غُلاة الداعين إلى الشعر الحر ).
وفي الخمسينات تشهد الحركة الشعريةُ في الموصل انتعاشَ تيار شعري عراقي مجدِّد تصدَّرَ المشهد الإبداعي آنذاك، عَبْرَ جماعة أدبية تشكلت من أدباء (أطلقوا على أنفسهم روَّاد أدب الحياة، وهم: شاذل طاقة وهاشم الطعان ومحمود المحروق وعبد الغفار الصائغ. وقد ارتبط بهم أو زاملهم بعض الأدباء أمثال غانم الدباغ وعبد الحليم اللاوند). ولكي يشقَّ هذا التيار طريقه بين المتراكم من الشعر التقليدي، ويحفّز الصحف على أن تفتح أبوابَها لأصحابه دون تردد ، أصدر أربعةٌ من الشعراء الشباب أواسط الخمسينات مجموعة شعرية مشتركة أطلقوا عليها اسم ( قصائد غير صالحة للنشر) يتصدَّرُها إهداءٌ نَصُّه:( إلى الصحف التي لم تنشر لنا هذا...) والشعراء هم: (شاذل طاقة، عبد الحليم اللاوند، هاشم الطعان، يوسف الصائغ ).  ثمَّ..( صُودِرَ هذا الديوان فور توزيعه في المكتبات من قبل أجهزة السلطة ).
لقد كان للشاعر هاشم الطعان في الخمسينات حضور في المشهد الشعري والنقدي معا ، فقد أصدر مجموعة شعرية، وساهم في المتابعات النقدية لقضايا الشعر، فحين صدرت مجموعة الشاعر محمود فتحي المحروق( قيثارة الريح ) تناولها الشاعر الطعان  في جريدة الفنار بمقالة نقدية تبيِّنُ ما لها وما عليها. .. وعن هذه الدراسة يقول د. عبد الرضا علي بعد أربعين عاما على نشرها: ( إنَّ المتلقي يجد في مقالة الطعان النقدية ما ينم عن موضوعية علمية واضحة، فهو بعد أن حيّا الديوان، وأسهمَ في عرضه وتبين مؤثرات الشاعر، وقف على بعض صوره مناقشاً، رافضا ما لا ينم عن براعة في البناء وما يعيب من قافية مبتذلة ومن مهجور اللغة ).
وفي سنة 1960 أصدر هاشم الطعان مجموعة شعرية ثانية، هجر بعدها كتابة الشعر، منصرِفا إلى الدراسات الأكاديمية اللغوية والأدبية لنيل الشهادات العليا التي نالها في عقد السبعينات، وما أن رحل ذلك العقد حتى رحل الشاعرُ معهُ مودعا الحياة سنة 1981م
 
- الطعان والتراث العربي:
لعل من أهم ما يميز الشاعر الطعان صلته العميقة بالتراث العربي، ولا أدل على ذلك من انصرافه، بعد أن هجر الشعر، إلى الدراسات الأكاديمية في شؤون التراث.
وللتعرف على مدى اهتمامه بالتراث العربي واستيعابه له منذ بداياته، نطالع ما كتبه جاسم المطير على أحد المواقع الإلكترونية عن توجيهات الطعان لرفاقه عندما كان سجينا في نقرة السلمان، يقول المطير } إن هاشم الطعان كان يشدد على السجناء ضرورة قراءة ودراسة واستيعاب أهم كتب التراث العربي. كان يوجه النصح إلى الشعراء السجناء الشباب بأهمية قراءة المعلقات السبع ( شرح الزوزني ) وديوان بشار بن برد وأبو نواس وديوان الحماسة ( أبو تمام ) وديوان ابن الرومي ففي نظره أن من لا يتعمق في قراءة هذه الكتب لن يكون شاعرا . أما السجين الراغب في أن يكون قصاصا أو روائيا فحسب نظرية هاشم الطعان عليه أن يتعمق بقراءة كليلة ودمنة ( أبن المقفع ) وكتب الجاحظ ومجلدات ألف ليلة وليلة . وإذا أراد أي سجين أن يكون ناقدا أدبيا في فنون الشعر والقصة فعليه أن يركز على قراءة طبقات فحول الشعراء (محمد بن سلام) وعيون الأخبار( ابن قتيبة ) . ومن يريد أن يكون مؤرخا عليه بقراءة واستيعاب فتوح البلدان للبلاذري وتاريخ الرسل والملوك للطبري.{
 
- كتبه:
1ـ لحظات قلقة - شعر 1954 ضم الكتاب قصائد تمثل بداياته الأولى، حيث قال الشاعر شاذل طاقة عن هاشم الطعان، عندما نشر من نمطها في مجموعة قصائد غير صالحة للنشر: إنه (ينحو منحى كلاسيكيا، وله لوازم تجده يكررها في أكثر من موضع ، لكني لا أنكر أنه صادق في فنه مخلص في تعبيره).
2ـ غداً نحصد - مجموعة شعرية ـ صدرت عام 1960. يفتتحها الشاعر بكلمة نستشف منها انه يحاول تجاوز نماذجه الشعرية السابقة، بنصوص اختارها من بين قصائد من شعره حكم على مجموعة كبيرة منها بالإعدام, فجاءت المجموعة مختلفة عن سابقتها تتنفس في مناخ الشعر الجديد الذي كان ينضج وينتشر في مثل تلك الأيام. وهذا مقطع من قصيدة من قصائد المجموعة عنوانها( الفاشست) :
         يتربصون وأنت تعلمُ أنهمْ لن يهدأوا
         حتى...
                وتزعم أنهم لن يجرؤوا
         لكِنَّ أحداقَ المسا..إذْ تُطفَأُ
         تُضفي على أحداقِهِمْ رَمداً
              فتلتهِبُ الجفونْ
 
3- تأثر العربية باللغات اليمنية القديمة 1968
4- البارع في اللغة لاسماعيل بن القاسم القالي البغدادي - تحقيق 1972
5- مساهمة العرب في دراسة اللغات السامية،الموسوعة الصغيرة، بغداد 1978
6- الأدب الجاهلي بين لهجات القبائل واللغة الموحدة، وهو رسالة دكتوراه مجازة من جامعة بغداد، صادر عن وزارة الثقافة والفنون عام  1978
ويعد هذا الكتاب من أبرز مؤلفات الدكتور هاشم الطعان في ميدان الدراسات اللغوية التي انصرف إليها من بعد كتابة الشعر، وقد جاء على الغلاف الأخير من الكتاب تعريف يقول: (يناقش المؤلف في هذا الكتاب ما طرحه كتاب الدكتور طه حسين في الشعر الجاهلي. ويقدم صفحة من تاريخ نشوء العربية منذ انشطارها عن الساميات، ويستخلص هذا التاريخ من دراسة المواد القديمة في العربية نفسها، ويلقي الضوء على نماذج اللهجات العربية في لغة موحدة.. والكتاب قي الحصيلة النهائية يؤكد وحدة الأمة العربية من خلال وحدة لغتها التي احتفظت بتماسكها ونقائها منذ أجيال ضاربة في القِدَم).
 
- من شعر هاشم الطعان:
 خاتمة المطاف
غفا النهـارُ عـن الـمحـزونِ فـانطلقــــا        وراح يذرعُ فـي بأسـائِه الطُّرُقَـــــــــــا
أذلك  الجســـدُ  الـمهدومُ   مـرتبكـــــاً        قـد كـان بـالأمس تـيَّاهَ الخُطـا نَزِقــا؟
يسعى إلى حـلــــمِهِ الأســنى  بأجنحةٍ        يكـاد  يـدرك فـي رفَّاتِهـا  الأفُقـــــــا
ويـنثنـي بـالصـبـا النشـوان مزدهـــــياً        كـمُـوثَقٍ فكّك الأغلالَ وانعَتقـــــــــــــا
أصِخْ لرَجْع  أغانـيـــــــــــــــهِ مُعطَّــرةً        وانظـرْ لنـبعِ أمـانـيـهِ  قـد انـبثقــــــا
يكـاد مـصـبــــــــــــــاحُه يفري دُجنَّتَــهُ         فكلـمـا احـلَوْلَكتْ أطرافُهـا ائتلقـــــــا
يسـيرُ أصحـابـُه فـي هدْيِـهِ زُمَــــــــــراً        تـنصـاعُ أقـدارُهـم مخذولةً فِرقـــــــا
 
 **
 
*على قبرها
أأدفن هذه الطفلَهْ؟ لقد حاقتْ بيَ الغفَلهْ
أواري بالثرى حلمًا؟ وأطفئ تلكم الشعلَهْ؟
ألا ردّوا عليَّ الحلمَ واستبقوا ولو ظلّه
فلن أرجعَ مخذولاً أجرِّرُ خطوتَيْ أبْلَهْ
وقد خلّفتُ في صمتٍ شبابي في الثرى كُلَّهْ
دعوها هاهنا قربي أناغي الثغر في ذلّهْ
دعوها أو دعوا بعضًا دعوا مِن شعرها خُصلَهْ
 
* المصادر:
 
1-  الجميل : د. سيار كوكب علي- ( طبيعة الحياة الثقافية المعاصرة في الموصل) موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد الخامس ، جامعة الموصل ، دار الكتب للطباعة والنشر ، الموصل 1992-   308
2- سعد البزاز -  شاذل طاقة، المجموعة الشعرية الكاملة ، وزارة الإعلام ، سلسلة ديوان الشعر العربي الحديث 1977-     599
3- شاذل طاقة وآخرون-  قصائد غير صالة للنشر، مجموعة شعرية مشتركة ، دار طباعة الهدف، الموصل 1956
4-  د. عبد الرضا علي- ( حركة نقد الشعر في الموصل ، منطلقاتها واتجاهاتها) موسوعة الموصل الحضارية ، المجلد الخامس -    ص445
5-  المطبعي، حميد: موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين  ، وزارة الثقافة والإعلام ، دار الشؤون الثقافية، بغداد 1995 -  ج1 ص 220
6- هاشم الطعان:
     × قيثارة الريح لمحمود المحروق ، جريدة الفنار، العدد7 قي 26 آذار 1954
     × غدا نحصد - شعر -مطبعة العامل ، بغداد , 1960.  ص26
     × شاذل كما عرفته - مجلة الإذاعة والتلفزيون، تشرين الأول 1975-  ص 544،546
     × الأدب الجاهلي بين لهجان القبائل واللغة الموحدة - منشورات وزارة الثقافة والفنون ،
 
      سلسلة دراسات ، دار الحرية للطباعة ، بغداد 1978

هناك تعليقان (2):

  1. رحمه الله ابا هيثم كان شاعرا حقيقيا لايضاهى في التجديد

    ردحذف
  2. لروحه السلام

    ردحذف

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.