مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

أرض السمر تاسيتي(السودان) : بقلم صفاء محمد

 


 
إلى النصف الآخر من قلبي(أختي صوفي)
 
   السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما قبلُ:
أكتب إليك رسالتي هذه، لعلّها تضمد جراحي التي طال شفاؤها وأظُنُ أنها لن تشفى إلا بلقياكم وحضرتكم.
أكتُبُ إليك وكُلي شوقٌ إلى وطني وترابه، إلى كل رقعةٍ في أرضه، إلى نيله وأنهاره، إلى حدائقه وبساتينه إلى جباله ووديانه إلى داري وجيراني، إلى أهلي وأحبابي.
أتذكُرُين يا نبض قلبي حينما كنّا تحت سقفٍ واحد لا حواجز ولا مسافات تفصلنا، نتسامر ونتشاجر، نجلس تحت شجرة البلوط ونعزف سيمفونية الحب، ننتظر بلهفة يوم الجمعة الذي نجتمع فيه مع جدتي فتصنع لنا كعك التفاح أظُن أنها كانت تعلم جيّداً أننا نحبه، أتذكُرُ ذاك الوشاح الذي أهدته لنا، لا زلتُ أحتفظ به، وكلما شعرتُ بالحنين إليها أرتديته علّه ينسيني مرارة الغُربة.
كلُ شيءٍ في وطني له نكهة خاصة حتى الخُبز كانت تفوح منه رائحةُ الحُب،  وفي كل مرة أذهب إلى المخبز لإحضاره كان البائع يعطيني خبزه إضافية كهدية منه لي...
ياله من عامل طيب القلب!
أذكر جيداً تلك الأيام التي كنت أذهب فيها مع والدي إلى المسجد عند الفجر كان الفرح يغمرني لأنني قد أصبحتُ شاباً  قوياً، لم أكن أعلم أنه كلما تقدم الإنسان في العمر ازداد هموماً وآلالاماً.
اااه أخبري أمي أنني أشتاق إليها وإلى حضنها الدافي الذي كان ينسيني برد الأيام وعنائها، وأشتاق إلى سماع دعواتها عند آخر الفجر وتلعثمها عند ذكر إسمي.
كل شيءٍ في وطني جميل، حتى إسمي له لحنٌ وموسيقى حينما تنادني به أمي، لقد كبرتُ وعرفتُ معنى أن تفقد وطنك وتتغرب عنه، يعني أن تفقد نكهة أيامك وعبيرها، هكذا هي الحياة تٌجبرك على فعل أشياء لم تكن حتى في قاموس مخططاتك المستقبلية!
أما هنا في الغربة وأرض البعد والعذاب كل شيء ممل حتى تلك الساعة أشعر وكأنها تقصدني وتكيدُ لي، تبدو ثملة تترنح في دقاتها فما بين الدقة والأخرى كأنها أيام بل دهور.
كنتُ أتمنى أن يمضي اليوم كلمح البصر لكن ليس كل ما يتمناه المرء يجده.
وأكثر ما كان يخيفني تلك الحكايات التي أصبحت تتداول بكثرة عن المغتربين الذين لم يعودوا إلى أهلهم وأوطانهم إلا في تابوت نعشهم، تلك الحكايات حتى و إن كانت من وحيِ الخيال فهي تصيبُني بالأرق، مجرد التفكير فيها أمر مؤلم، فماذا عن وقوعها بالفعل؟!
أرجو أن لايحدث لي مثلها وأن أعود إلى دياري بسلام وأمان.
أبلغي تحياتي لجميع أهلي وأحبابي وأخبري أمي أنني في تمام العافية فقط لهيب الشوق أحرق جسماني.
والسلام..
من أخوك: مبارك
الخامس من كانون
الساعة الثانية عشر منتصف الشوق.

هناك تعليقان (2):

  1. جميلة انت بأسلوبك الراقي في الكتابة حفظك الله يا دكتور صفاء محمد

    ردحذف
  2. اللهم أمين

    ردحذف

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.