مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

عناصر الكوميديا في أدب الطفل - ا.د علي خليفة

 



الكوميديا عنصر مهم في أدب الطفل، والكاتب الذي يفتقد القدرة على صناعة الكوميديا هو  - في رأيي - غير مؤهل للكتابة للطفل، فالأدب الموجه للطفل لا بد فيه من المتعة مع التوجيه، وقد تأتي المتعة قبل التوجيه؛ لأن الطفل لن يتفاعل مع ما يوجه إليه من قيم تربوية وأخلاقية في الأدب الموجه له إلا لو وجد فيه المتعة التي تجذبه إليه، وأهم عنصر يقدم المتعة هو الكوميديا بكل عناصرها.
ولهذا لم يكن غريبا حين رأينا أحمد شوقي - وهو من أوائل من كتبوا شعرا عربيا للأطفال في العصر الحديث - يجعل أكثر شعره للأطفال ممتزجا بالكوميديا، وتلك ظاهرة جديرة بالدراسة بالفعل.
وكان الحمار أكثر حيوان تحدث أحمد شوقي عنه في قصصه الشعرية عن الحيوان للأطفال؛ لمعرفة أحمد شوقي أن الحمار مرتبط بالفكاهة في وجدان الشعوب العربية على وجه الخصوص، وقد ظهر الحمار في قصائد ومقطوعات أحمد شوقي الشعرية للأطفال ظريفا ساذجا يسهل خداعه، ويستدعي الفكاهة بتلك الصفات التي فيه، ومن شعر أحمد شوقي للأطفال عن الحمار قوله:
سقط الحمار من السفينة في الدجى   فبكى الرفاق لموته وترحموا
حتى إذا طلع النهار أتت به                    نحو السفينة موجة تتقدم
قالت خذوه كما أتاني سالما                      لم أبتلعه لأنه لا يهضم
ومن خلال تتبعي كثيرا من مسرحيات الطفل، ومشاهدتي مع بعض الأطفال لها وجدت أن هناك عناصر كوميديا يتفاعل معها الأطفال بشكل قوي، وهناك عناصر كوميديا تأثيرها ضعيف على الأطفال، كما أن هناك عناصر كوميديا يحظر على كتاب أدب الطفل استخدامها في إبداعهم الموجه للطفل.
وأبدأ بالجزئية الأخيرة فأقول: إن العناصر الكوميدية التي يحظر على كتاب أدب الطفل تناولها في أدبهم الموجه للطفل تلك التي تقوم على استخدام الإشارات والإحالات الجنسية، كما لا يستحب في الأدب الموجه للطفل استخدام الكوميديا التي تقوم على السخرية من الآخرين لوجود عيوب خلقية وأمراض بهم، وكذلك لا يجب في الأدب الموجه للطفل استخدام الكوميديا التي تقوم على السب والقذف للأعراض.
أما عناصر الكوميديا ذات التأثير الضعيف على الأطفال - لا سيما أطفال الطفولة المبكرة والمتوسطة - فهي استخدام الكوميديا التي تقوم على المحسنات البديعية، كالتورية والسجع والتشابه بين الكلمات، فالأطفال - أو أكثره - لن يستسيغوا هذه الكوميديا، وقد لا يفهم أكثرهم المقصود منها.
أما أكثر عناصر الكوميديا التي تثير الطفل وتدعوه للابتسام والضحك، وهو يقرا أو يشاهد ذلك الأدب الموجه له فهي عديدة، ومنها رسم المواقف التي تقوم على سوء الفهم، وعلى التضخيم في أمر لا يستحق ذلك، وعلى المفارقات التي تقوم على الجمع بين المتناقضات، ونرى في مسرحية قميص السعادة للسيد حافظ، ومسرحية هردبيس الزمار لألفريد فرج أمثلة كثيرة على ذلك.
وأيضا من عناصر الكوميديا التي تثير الأطفال وتدعوهم للضحك في الأدب الموجه إليهم التكرار لكلمات أو جمل طريفة في نفسها أو تحدث لها الطرافة في المواقف التي تقال فيها، وفي هذا الصدد أقول: إن أطفال الطفولة المبكرة هم أكثر من يضحكون من ذلك العنصر من عناصر الكوميديا.
وكذلك يضحك الأطفال كثيرا حين يَرَوْن شخصيات أو حيوانات متنكرة في شخصيات أخرى، لا سيما لو كان في هذا التنكر ادعاء للعظمة، كتنكر  الحمار في هيئة أسد، أو تصوره لنفسه على أنه أسد، كما نرى ذلك في مسرحية أحلام الحمار الكسول للكاتب السوري أحمد إسماعيل إسماعيل.
ويعد الحوار الكوميدي من أهم عناصر الكوميديا في الأدب الموجه للطفل، خاصة في مسرح الطفل، ويجيد كتاب مسرح الطفل الموهوبون، ومن لديهم القدرة العالية على بث الكوميديا في مسرحياتهم للطفل - كتابة ذلك النوع من الحوار الكوميدي، كما نرى ذلك في مسرحية المزمار العجيب لسعيد حجاج.
ويعد عنصر قلب الأدوار من العناصر المثيرة جدا للإضحاك في الأدب الموجه للطفل، كأخذ الأمير هيئة خادمه، وأخذ الخادم هيئة الأمير، كما نرى ذلك في مسرحية قميص السعادة للسيد حافظ.
وتعد الأنماط الكوميدية من أهم العناصر الكوميدية التي تضحك الأطفال في كل مراحلهم، لا سيما حين يتم وضع هذه الأنماط الكوميدية في مواقف تستثير الضحك منهم.
ومن أهم الأنماط الكوميدية التي تضحك الأطفال في كل مراحل طفولتهم الشخص الأكول، وذلك النمط نراه كثيرا في الأدب الموجه للطفل، خاصة في مسرح الطفل، كما نرى ذلك في مسرحية هردبيس الزمار، ومسرحية رحمة وأمير الغابة المسحورة لألفريد فرج.
وأيضا من الأنماط الكوميدية التي تثير الضحك الشخص الظريف واسع الحيلة، كما نرى جحا في بعض القصص المكتوبة عنه لكامل كيلاني، وفي المسرحيات الجحوية التي كتبها عنه عبد التواب يوسف، كمسرحية جحا صانع الحمير، ومسرحية جحا وأمطار النقود.
وكذلك يعد نمط الشخص الأحمق من الأنماط التي تدفع الأطفال للضحك، فهم يضحكون من تصرفاته التي تخالف العقل، كما نرى ذلك في بعض القصص التي صورت جحا أحمق.
ويعد الشخص الكثير النسيان - أو الذي يدعي النسيان - من الأنماط التي تدعو الأطفال للضحك، كما نرى ذلك في مسرحية هردبيس الزمار لألفريد فرج.
وكذلك يعد الشخص الكسول من الأنماط الكوميدية التي يضحك منها الأطفال كثيرا، كما نرى ذلك في مسرحية قرص عسل من غير كسل، ومسرحية حلم علاء الدين لسمير عبد الباقي.
وهناك أنماط كوميدية أخرى كثيرة تعجب الأطفال، ويضحكون منها حين حضورها في الأدب الموجه إليهم حين يتم وضعها في مواقف تدعو للضحك منهم، البخيل، والمدعي، ويضحك الأطفال أيضا من نمط المهرج ومن نمط الأراجوز حين يظهران في الأدب الموجه لهم.
وهذا المقال يعد مدخلا لدراسة عناصر الكوميديا في الأدب الموجه للطفل.

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.