مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

خيال الكاتب يعوض النقص : حوار مع الروائي سعد عودة

 

 
   في معظم رواياته تصيبنا الدهشة ونشعر بالغرابة وهو يتناول قضايا حساسة  في المجتمع لم يسبق لغيره أن  تعامل معها روائي عراقي نسج أسلوبه الخاص في الرواية فكانت رواياته نجوم وعناوينها محفوظة في ذاكرة القارىء، تميزت بانسيابية اللغة ودهشة المضمون، هي من صراعات القرن الذي نعيش فيه، لوحات حياتنا التي نخبأها في عتمة المخاوف والتجارب الصعبة لتأتي انامل الروائي سعد عودة تحررها مواجهاً المجتمع بما لديه من أدب رصين.
  ولكشف عن أسرار الروائي كان لنا  هذا الحوار :-
 
هل يحتاج الروائي إلى السفر ليغذي خياله؟
_ بالرغم من أن السفر يمنح الروائي رؤيةً وإطلاعاً على عوالم مختلفة ويُثري  معلوماته ، لكنه لا يمثل ضرورةً تمنع الكاتب من أنجاز عمل روائي، فخيال الكاتب هنا يستطيع أن يعوض هذا النقص في المعرفة، أما الذين يعيشون في بلد مثل العراق المحمّل بملايين القصص التي تصلح كمسرودات تمتلك كل الإثارة المطلوبة ، فلن يحتاجوا إلى السفر للحصول على قصة مناسبة ليتم تحويلها إلى رواية .
 
كيف نستدعي من فقدناهم بسبب الموت ، وهل هناك سبب يجعل الإنسان مرهوناً بمعرفة ما حصل لمَن فارقه من أحبة؟
_هذا يعتمد على طبيعة هذا الفقد، فالإنسان مجبول على النسيان، لكن عندما يتم هذا الفقد بطريقة تعسفية ، عندها سيشكل جرحاً لا يندمل وذاكرة حاضرة على الدوام، وهنا يتحول إلى فعل يمكن توظيفه درامياً، فالموت يتحول هنا إلى فعل غير مبرر وجودياً يستلزم ردة فعل مناسبة وربما متطرفة في بعض الأحيان .
في روايتك (ظل الملاك)  كانت الرواية صادمة للقارئ، كنا نتابع ثنائية البطولة بشغف لكنك فاجئتنا بها؟ هل هذه رمزية للواقع العراقي؟
_ من الصعب أن يتخلص الكاتب من واقعه وهو يكتب ، لكنه في الوقت نفسه لا يكتب الواقع كما هو، بل يسكب داخله الكثير من الخيالات والرؤى الفلسفية ليحمل الخليط المتكون مواصفات الإثارة والدهشة إضافة إلى التقنية الكتابية التي تمنح القاري رؤية مختلفة عن الواقع، في هذه الرواية يتشابك الواقع مع الخيال والرؤية الفلسفية مع ضغط الآخر المختلف والمتطرف والقادر على وأد الحلم، الحب هنا هو المحرك الرئيس للأحداث ، هو الحلم الذي يئدهُ الواقع السياسي والاجتماعي والديني، طبعاً هذا جزء من الواقع لكن يتم تناوله في الرواية برؤية تنفتح على كل الممكنات الفكرية والفلسفية.
هل يمكن للأم ان تموت بسبب خيبة أملها بأبنائها كما حصل في الرواية المذكورة ؟ وكيف واتتك فكرة كتابة هذا المشهد ؟!
_ طبعاً، بالتالي الأبن غاية الأم وجزء من كينونتها وعندما تراه يغرق في عوالم من الدمار والخطيئة ربما يؤدي ذلك إلى موتها، خاصة عندما تشعر بالعجز عن إصلاح هذا الخراب الذي أصاب فلذة كبدها، هذه نقطة وجع تقود الأحداث إلى غاية تتمتع بالغرابة مثل نوم رجل حي في تابوت .
إلى اين ستصل بنا بعد ( ظل الملاك ، نعل مقلوب، النكرومانسي ) من محطات ثقيلة الوزن  وعميقة المعنى وسلسة الأسلوب وحديثة الصيغة؟ 
 _ آخر رواية لي هي ( النكرومانسي ) وأعتقد أنها الرواية الأكثر أهمية ودهشة، سأحاول العثور أولاً على منفذ لطباعة ونشر الرواية ومراقبة ردود الأفعال عنها وسأبدأ بكتابة روايتي القادمة..الكتابة بالنسبة لي هي الحياة نفسها..هكذا أمارس حياتي  .
منظمة اليونسكو تختار رواية (نعل مقلوب) وتنشرها في موقعها الألكتروني وصفحتها على تويتر ، من ضمن اهتمامها بكُتّاب ومبدعي العواصم الثقافية العالمية وبغداد واحدة منها ..كان هذا الخبر أضاءةً وفخراً يُضاف إلى العراق، هل يمكن ان تصف لنا شعورك حينها؟ 
_ كانت التفاتةً مهمةً، أن تمثل روايتي العراق في هذه المنصة، واعتقد موضوع الرواية الذي يتماهى مع عمل المنظمة هو الذي جعلها تفضل هذه الرواية عن باقي الروايات  ، وبالتأكيد كنت سعيداً جداً ، خاصة وإن الكتاب العراقي  عموماً يحتاج وبشكل ملح إلى تسليط الضوء عليه ، ليتم تصديره للعالم بطريقة مناسبة...أي التفاتة هنا تعد ضرورية كجانب إعلامي وترويجي للعمل الإبداعي.    
 
( النوم مع سحلية ميتة ) ، لماذا هذا العنوان الغريب الذي يدعو  الى الفضول ، ما هي رمزية العمل؟
_ ناقشت هذه الرواية ثيمة الإخصاء بكل مدلولاتها التكوينية والرمزية وبكل اسقاطاتها السياسية والإجتماعية ، وهذا كان يتطلب جرأةً كبيرةً وخوضاً في مناطق بكر لم يزرها الكثيرون، من هنا جاءت رمزية السحلية كتمثيل شكلي للعضو الذكري الذي يتم اخصاؤهُ بكل بشاعة ومن ناحيتَي الماضي والحاضر، الإخصاء الفكري هنا هو الأهم ، لهذا حاولتْ الأيديولوجيات أن تضغط على حاملي الأفكار من أجل تجريدهم ومنعهم من الفعل كما يحصل مع المخصي تماماً...     
" أين تذهبين أنت بعدما أموت انا سعد عودة "نعل مقلوب" صراحة وصدق الراحلين ام انها المآسي التي تجرشنا ونحن احياء" ؟
_ كان هذا سؤال الأب وهو على فراش الموت، السؤال الذي تكرر كثيراً في الواقع وبقي بلا إجابة ، وكأنني هنا أفسر ضياع الأطفال داخل المجتمع بسبب فقدان المعيل والمربي والحامي، فموت الآباء عتبة لضياع الأبناء إذا لم يجدوا البديل، هذا حصل كثيراً بسبب الحروب التي كانت بلا معنى، لكن مخلفاتها كانت كارثية على المجتمع .    
كيف حال الأطفال في العراق ، عفوا ، العصافير في العالم العربي؟ 
_ربما هناك أطفال يعيشون بشكل مناسب داخل عوائل تستطيع احتواءهم ، ولكننا علينا أن نبرر هذه الوجود الخاطئ للأطفال في الشارع واضطرارهم لممارسة أعمال تُغيّب طفولتهم ، مما سيجعل مستقبلهم غامضاً وملتبساً وربما مأساوياً، بالتالي فنحن من زرعنا بداخلهم بذرة الجريمة والعنف ونحن من سيقطف ثمارها....
النوم في تابوت مغلق، هو أفضل مكان في عقل أحدهم، ما الذي يصل بالإنسان لهذه الدرجة؟ 
_ الضياع الفكري واليأس من جدوى الحياة نتيجة لتعرض البطل لصدمة عاطفية شديدة هي التي ستقوده للنوم داخل تابوت ، كنوع من الرفض لما آلت إليه حياته والتمرد على كل الموجودات في هذه الحياة ، وربما إعلان عن موت معنوي يمكن أن يحل محل الموت الحقيقي، (التوابيت هنا تشبه الأمهات فهي لا تغادرك حتى يضعوك في مثواك الأخير)...هكذا يشعر البطل بالفراغ الداخلي ويحاول الإلتصاق بالموت كبديل وحيد عن حياة غير ممكنة . 
الكلمة التي قد تفرحني لتكون خاتمة حوارنا هي ( نعم ) ، هل هناك رواية جديدة؟
_هناك رؤية جديدة بعد كل ما مررنا به، هي من قادتنا لهذه الرواية الجديدة، لقد خرجنا من المحنة محملين بأشياء كثيرة، ربما بوجع كبير ويأس قاتم ولكن أيضاً برؤية واسعة وفهم آخر للحياة بل للوجود نفسه، المحنة نفسها قادتنا لكي نكتب بشكل مختلف ونضع بصمة عمل إبداعي يحمل الكثير من ملامح الحداثة ويضع الرواية العراقية في مكان مميز عربياً بل وحتى عالمياً، ربما يكون الطريق في أولهِ لكنه سيقودنا إلى المقدمة من حيث قوة التأثير الإبداعي والفعل الكتابي المتجدد .
شكراً لك، ولهذا التدفق الإبداعي، ولوقتك الثمين ولإجاباتك التي تعد اضاءات في عالم الرواية.

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.