مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

حكاية جلسة حوار بين مثقفين عراقيين من جدد ومخضرمين بؤس الثقافة وانعدام أخلاقيات المعرفة - ا.د. سيّار الجميل

 


         

بحجة التعبير عن الرأي .. يشوهون المعلومات 

أقصّ عليكم اليوم حكاية فيها خلطة عجيبة غريبة من انحلال القيم وانعدام المقاييس وتشوّش المفاهيم وندرة أخلاقيات الحوار والمعرفة. لآ أريد التعميم أبداً ، فثمة من يتمتع بالنبل والسمو وروعة الأدب وسعة الأفق.. ولكن انحداراً  ألمسه عند (مثقفين) عراقيين لا يطيقون رصفائهم ويحقدون عليهم كونهم من المبدعين سواء علماء أم رجال فن وأدب وهم يتعرضون للتهميش وجور الاتهامات . أما الحوارات فهي مجرد انشائيات وكلام لا معنى له، وكثيرا ما ينقلب الحوار الى جدل ، ثم يحمى الوطيس ليغدو جدالاً عقيماً ثم ينتهي بالتجريح أزاء سكوت الآخرين وصمتهم وهم يشهدون فلماً كوميدياً  مثيرا للسخرية.. وتخلط الأوراق بين تاريخ ودين وأيديولوجيات وسياسة.. بلا أيّ مقاييس .العلماء ليس باستطاعنهم ممارسة النقد وتصويب المعلومات الخاطئة؟ والبعض يبررّ ذلك بـ "التعبير عن الرأي " لكنهم لم يفرقّوا بين "الرأي" و"المعلومة" !  وقد يكون المحفل رائعاً باعضائه الكرام ، ولكن وجود شخص او أكثر يفسد الجلسة ويعكّر صفو الحوار للاسف .

ان بعض المتوهّمين نسيَ نفسه اليوم وحجمه، ولم يعد يذكر تاريخه القريب وما كان ينشره ، واليوم  يلعب لعبته  فيزجّ نفسه في أيّ ميدان يشاء لا معرفة حقيقية ودقّة عنده، ولا  موسوعية  لديه، فهو يكتب ولا يقرأ.. فيتأشكل ويقع في أخطاءٍ لا أوّل لها ولا آخر، وان نبهّته على ما يقول،انفعل وزعل وركب رأسه دون أن يتسّع صدره  ويتقّبل منك فهو دوماً يعتقد متوهمّا أنه  الأفضل، ومن غدر الزمن أن جعل أمثال هؤلاء يصولون ويجولون على مواقع التواصل الاجتماعي ليقتنع من يسمعهم وخصوصاً من الجيل الجديد بهم فيتشبّع بالاخطاء والتجاوزات وتراهم قد نفخوا أنفسهم فالصحفي غدا منظرّاً، والتقني غدا مفكّراً ،والتافه جعلوه سياسيّا وخبيراً استراتيجياً، والفاشلُ أصبح فيلسوفاً ، وأبو اللنكات أمسى مؤرخاً.

حكاية  الجلسة على زووم

كنت قد لبيتُ قبل يومين دعوة أحد الأصدقاء لحضور محاضرته في أحد المنتديات على الزووم ، والرجل أعرفه تماماً وله ثقافته واستقامته وطيب معشره وسمو أخلاقه وذائقته الشعرية، وكنت أتمنى عليه لو اختار موضوعاً محدّداً في الدبلوماسية أو في أيّ مجال يمهر فيه، لكنه اختار موضوعاً واسعاً لا يمكن تغطيته في ساعة واحدة منتقلاً من الحضارات القديمة الى الامام الغزالي  الى العثمانيين حتى القرن العشرين وانتهاء بالوضع الحالي، ولم تكن هذه مشكلة بقدر ما أدهشتني الجلسة التي كانت مشحونة بالتوتر، وجاءت مداخلات الحضور والاخطاء التي لا تغتفر في المعلومات والتواريخ واطلاق الأحكام  والتفلسف في موضوعات خارجة عن اطار المحاضرة.. بقيت مستمعاً ، اذ لم أكن أرغب في التحّدث أبداً، ولكن طَلب مني بعض الأصدقاء أن أتكلم فتكلّمت. وقدّمت نقدات وملاحظات عن تلاقي الحضارات وتصنيف ارنولد توينبي لها ، وأن الحضارات لا تتصادم بل تتلاقى عكس الثقافات التي تتصادم ولا تتفاعل  كما حدّدها العلماء انثربولوجياً ، ثم تكلّمت عن العثمانيين وقوّتهم وانهيارهم وعن المراحل السكونية التي مرّ بها العراق وكلّ المنطقة وعن حجم التنويريين العراقيين الاوائل اذ لم يكن الزمن "مظلماً " كما أشيع  وكما يعتقد به العراقيون ، ثم التفتّ لآرّد على ما قاله بعض المشاركين ، وهنا افتقدت بوصلة البعض كون هذا البعض لا يتحمّل وينتفض ان يسمع الرأي الآخر من رجل قضى عمره في القراءة والدراسة وليس في الكتابة فقط، ومن حقّه أن يصّوب المعلومات والآراء معاً باستناده الى اثباتات ، بل الأخطر  أن يمارس البعض علو صوته مستخدماّ أسلوب المقاطعة كما تربّى على ذلك في اجتماعاته الحزبية قبل عقود من السنين .. أو يردّ آخر عليك بخشونة وكأنه في ثكنة عسكرية قضى عمره فيها  "يس يم"  ..وهذا ما نلحظه اليوم ، وخصوصاً بعد القطيعة مع الزمن الماضي منذ 2003 حيث جرى تكميم الافواه العراقية منذ أكثر من ستين عاماً، فأين كانت حرية التعبير عن الرأي وسماع الالسنة الطويلة في العهود المرعبة؟ اليوم ، يريدون التعبير عن الرأي بأساليب فوضوية وخاطئة ويريدون أن تكون ذاتهم مهيمنة على الموضوع من دون أيّ مصدر أساسي للمعلومات ومن دون احترام للمقابل. انهم يتجاوزون بمقاطعتهم وسماجتهم بلا أدب الحوار.. ولا أدري كيف ينظرون الى أنفسهم وهم يدّعون المعرفة ويعدون أنفسهم بمثقّفين وسياسيين وأدباء ومفكرّين ومنظرّين وفلاسفة وعباقرة .. يفخرون بأنفسهم ويعشقون ذاتهم ويتبادلون المجاملات الرخيصة فيما بينهم والتنكيل بالمعرفة لا يقبلون الصواب لفقدانهم التواضع وسمو أخلاقيات المستنيرين .. أحدهم دخل الجلسة وبعد اسدائه التحية للجميع ، ثمّ قدّم سلامه لأحد الحضور، فتجاهله هذا الأخير بحجّة مشكلة الصوت كونه لم يسمع ، ولما نبّهه مدير الجلسة بأنّ فلاناً يسلّم عليك، تحجّج أيضاً وهو يسمعه بأنه لا يسمع ولم يردّ السلام ! سخر الأول منه ومن أخلاقه، علماّ بأن هذا جرى في الأول من شهر رمضان  المبارك ، فأين ردّ التحية بآحسن منها؟ أية أخلاق متدنّية يتمتّع بها البعض من العراقيين وأغلبهم من بقايا القرن العشرين سامحهم الله .

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.