مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

مدخل النظرية النقدية في الفكر المعاصر - سرمد السرمدي

  


العديد من كتب النقد تحاول أن تصف سلسلة المدارس النقدية بكونها هي التي تمثل مفهوم النظرية النقدية, وبذلك تم تقديم النظرية على شكل سلسلة من النظرات المتنافسة، كلّ منها بمواقعه الفكرية والتزاماته النقدية.
إلا أن هذه النظريات كالبنيوية و التفكيكية مثلا, بينها الكثير من المشتركات, وهذا ما يجعل الجدل حول النظريات يتخذ موضوع النظرية النقدية عنوانا, وقلما يكون العنوان حول النظرية بحد ذاتها, مع أن الأفضل في تقديم وعرض النظرية هو النقاش حول الاستفهام والجدل حول موضوع النظرية بشكل خاص بدل أن يتم الاكتفاء بذكر سلسلة النظريات بشكل عام, كذلك لابد من تقديم الشرح المناسب للنظرية بدل أن ينحصر الأمر في مقارنة نظرية بأخرى فلا يجب الاكتفاء بوضع الحد الفاصل بين نظرية وأخرى, وذلك لأن النظريات وخاصة المعاصرة تفقد قوتها وأهميتها لو تم رصها بعضا إلى بعض وكأنها طرق جاهزة للتفسير وليست أساليب جديدة للتفكير, هكذا يستهل جوناثان كولر وجهة نظره المعاصرة في النظرية النقدية, فالنظرية أصبحت تمثل رأي المجتمع أكثر من كونها مجرد وجهة نظر نقدية خاصة بالمجال الأدبي أو الفني, فهي تقدم طرق استكشاف ضرورية لصياغة معنى الهوية الإنسانية.
يرى جوناثان كولر الأستاذ المتمرس في النظريات النقدية, في احدث كتاب له عن النظرية والأدب ينشر من مطبعة جامعة اوكسفورد, انه بالنسبة إلى أي قارئ خارج المجال النقدي، يمكن لهذا الاستعمال أن يبدو غريبا جدا, ولهذا يطرح السؤال عادة بدهشة شديدة وكثيرا ما يكون الجواب إنها مجرد وجهة نظر أكثر منها نظرية لأيّ شئ بشكل خاص، فهي ليست نظرية شاملة من القوانين المحكمة الضبط منهجيا, فأحيانا تبدوا النظرية النقدية نشاط أدبي مجاور للأدب, شيء خاضع لذوق القارئ, و الذي يعمل أو لا يعمل به, فليس هنالك من رابط إلزامي بين الأدب والنقد يمكن أن يجعل القارئ يستعين بالنظرية كنظارة القراءة, لكن يمكن أن يتم تعلّم أو دراسة النظرية, ويمكن أن تكره نظرية أو تحب نظرية بنفس الوقت, لا يمكن مع ذلك أن يساعد هذا كثيرا لفهم النظرية, خاصة حينما لا تحمل النظرية طبيعة أدبية بشكل جذري بوصفها نتاج الدراسات الفلسفية أو النفسية أو التاريخية، لكن الرأي الذي يقول بانعدام وجود علاقة بين النظرية والأدب تجعل منها نظرية أدبية، لم يحسب الحساب المنظّم لطبيعة الأدب والطرق المتبعة لتحليله, أن تذمر القراء بأنّ هناك كلام عن النظرية النقدية أكثر من النظرية الأدبية في الدراسات الثقافية، يعود إلى أن المناقشة تتسع في الأمور غير الأدبية، ويكون النقاش في الأدب بالكاد حاضرا، وتكون أغلب النقاشات مستمدة من قراءة النصوص الفلسفية والسياسية والتحليل النفسي, وتكون أغلب الأسماء من خارج عالم الأدب مثلا جاك دريدا، ميتشل فوكولت، لوس ايريجري، جاك لاكان، جوديث بتلر، لويس التوسير، جيتري سبيفك, وهكذا يبدوا النقاش حول النظرية بحد ذاتها من الأهمية بمكان البحث عن جزء المشكلة الذي يمكن أن يكون الحل في إيجاد التعامل الأمثل مع النظرية.
إن النظرية النقدية في الدراسات الأدبية ليست مادة مقدمة على حساب مادة الأدب بل هي الطرق المقترحة لدراستها, فجوناثان كولر يمهد لتعريفها بقوله انها عملية تجسيد للمعرفة التي يقدمها الأدب, مما يذكرنا برأي الفيلسوف ريتشارد رورتي في هذا السياق حينما أشار إلى نوع تركيبي جديد من الكتابة بدأ في القرن التاسع عشر في عهد ماكولي جوث وكارليل وإيمرسن, لا يتم تقييمه وفق الاستحقاقات النسبية للمنتجات الأدبية، ولا التأريخ الثقافي، ولا أي فلسفة أخلاقية، ولا حتى نبوءة اجتماعية, فأطلق عليها نظرية الصفة الأدبية وهدفها تحديد الأعمال الأدبية التي تنجح في تحدّي و تغيير وجهة التفكير الثقافية, ومنذ الستّينات بدأ النقد يتوافد من خارج حقل الدراسات الأدبية ومجمل التحليلات كانت من مجال اللغة، أو العقل، أو التأريخ، أو الثقافة، واتخذت النظرية النقدية بهذا المنحى مجموعة من الطرق للدراسة الأدبية لكنها مجموعة غير محدودة المصادر، بحيث أصبح النقد يتخذ له طريقا من المشاكل الأكثر تقنية التي تدخل في صلب صناعة الأدب إلى أقصى حدود الفلسفة.
أن ما نفهمه مما تقدم يتلخص في كون عرض النظرية النقدية يتضمن بالضرورة نقاشات حول المعنى وطبيعة الثقافة، والروح والجسد، وعلاقات الجمهور بالتجربة الخاصّة للكاتب وتاريخية ما يقدمه في أدبه وقوة ارتباط هذا النتاج أخيرا بحيث يقدم على شكل تجربة فردية, إنّ التأثير الرئيسي للنظرية النقدية يكمن في معارضة وتغيير المسلم به من الوعي الجماعي, أو وجهات نظر المجتمع حول المعنى المقدم من خلال الأدب بما يمهد قراءة جديدة للحياة كتجربة مقدمة من خلال الأدب, عن طريق نقاش النظرية النقدية حول مفهوم المعنى و الفكرة وآلية الكتابة والتعبير الذي يتم تكذيب حقيقته في مكان آخر، في تجربة أدبية أخرى, أو الفكرة المقدمة على شكل الحقيقة الممكنة في لحظتها, فالنظرية النقدية بكل الأحوال ابعد ما تكون عن الأفكار البديهية، و أبعد عن محاولة إعطاء شرعية عقلية لكل ما يقدم على انه الحقيقة لا غير, فنقد الوعي العام واستكشاف المفاهيم البديلة، و استجواب الفرضيات الأدبية، وزعزعة أيّ شيء قد أعتبر بديهيا كل هذا يندرج تحت مهمة النظرية النقدية في تحقيق الهدف الرئيسي, البحث عن الحقيقة في الأدب والفن وعن أدب وفن الحقيقة.
الكاتب
سرمد السرمدي
ماجستيرفنون مسرحية,كليةالفنون الجميلة,جامعةبابل,العراق
 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.