مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

هل كانت الانقلابات العسكرية العربية ثورات إجتماعية حقيقية ؟ ا.د. سيّار الجميل

 

  
تساؤلات مؤرخ
إنني أسأل: هل كانت الأوضاع في عددٍ من أهم البلدان العربية: مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر والسودان.. سيئة للغاية قبيل نجاح تلك الانقلابات العسكرية،التي أسموها بالثورات ؟ ولما غدا الحكم عسكرياً في بلدان الانقلابات، صفّق لهم الناس ورقصوا أمام ضباط خونة خدعوا شعوبهم بإسم الوطنية والانتصار ضد الخونة والعملاء والرجعية، فتمكّنوا في الحكم، وسيطروا على الدولة وجعلوا المجتمع طوع أيديهم، إذ لبسوا قميص (الثورة) وهو لا وجود له اليوم؟ علماً  بأنّ الثورات الحقيقية إجتماعية لا تصنعها إلّا الشعوب، أما قطعات الجيش، فلا يمكنها أن تصّنع إّلا التمرّدات والخيانات والانقلابات والحركات والمناورات !
من نظم مؤسسيّة مدنية الى حكومات عسكرية خاكية
إن الانقلابيين يدركون أنّ مفهوم (الثورة) أكبر منهم بكثير فضلاً عن إرتباطهم الرسمي بالانظمة الحاكمة السابقة وكانوا جزءاً منها وفي خدمتها. إن الثورات الحقيقية ظواهر تاريخية كبرى صنعتها قوى إجتماعية وفكرية مناضلة حقاً في العصر الحديث. ويصرّ الانقلابيون العرب أنهم ثوّاراً ومناضلين؟ ولم يعترفوا بمؤامراتهم وخياناتهم وأوكار هزائمهم وأسرار إرتباطاتهم المشبوهة! وأخطرها خيانتهم لدستور البلاد وشرعية الدولة التي اقسموا على خدمتها .. وهم يعلمون أنّ الدولة الوطنية الحقيقية، هي مدنية وليست عسكرية(خاكية) ! إنهم يدركون أنّ تعبير (الثورة) سيمنحهم صك غفران يفاخرون به، ولكن بأي حق جعلوا المجالس " الوطنية لقيادة الثورة" تشريعية وهم الذين نصبّوها ومثلّوها  بمعزل عن إرادة الشعب  ؟
عسكريون من الثكنات  الى سلطة اصدار التشريعات  !
ثمّة قادة وزعماء وكوادر من ثوريين حقيقيين في القرن العشرين، بقوا معاندين لم  يتغّيروا، أو يتبدّلوا وكانت السلطة قريبة منهم، لكنهم رفضوها مقارنة بالضباط الانقلابيين العسكريين الذين وجدوا أنفسهم فجأة يتخطون كلّ الحواجز الشرعية،ويتعدّون بصولجاناتهم ونياشينهم الخطوط الحمراء ليكونوا في أعلى سلطة بالبلاد، وقد جعلوا كلّ مقاليد الأمور بأيديهم ففشلوا سياسياً وتشريعياً ومزقّوا مجتمعاتهم وعطلوا ارادة شعوبهم وأخافوها وأرعبوها وإبتدع كل واحد منهم تسميّة يتفاخر بها وكلهم  تبجحّوا من أجل تحرير فلسطين ولم يحقّقوا الا الهزائم المرة .
الاستعمار ظاهرة تاريخية أم مجرّد شعار سياسي ؟
لم نسمع اليوم مصطلحات الاستعمار والرجعية والاشتراكية لا في السياسة ولا في الاعلام، وقد باتت منسيّة ،لكنها لم تكن أصل الحكاية عند الانقلابيين الذين إستخدموها لتحقيق غاياتهم  ومطامحهم للاستحواذ على السلطة، أو لتنفيذ خطة خارجية أو لتغطية إرتباطاتهم المشبوهة.. كان غاندي ونلسون منديلا وهوشي منه وجيفارا ثوّاراً ومناضلين حقيقيين في القرن الماضي . إن كان الانقلابيون عندنا ثوارّاً لهم مصداقيتهم وأمانتهم لما تمسّكوا بالسلطة حتى نهاياتهم البشعة! ولما  نكّل أحدهم بالآخر ! ولما غدوا من المستبدّين الذين سحقوا معارضيهم بإسم ثوراتهم البائسة! ولما خنقوا الحريّات وحرّموا الانتخابات وكتموا أصوات شعوبهم وعزلوها عن العالم! ولما خافوا هم أنفسهم من شعوبهم، وكذبوا عليها، وأشاعوا فيها الشعارات الوهمية والخطب الساذجة !
مصيرنا والاجيال في أعناقهم ..
كانت مجتمعاتنا تتقدّم بصورة طبيعية وبالرغم من كلّ المعوّقات السياسية والاجتماعية، وكانت الحرب الباردة ستنتهي آجلا أم عاجلاً، فلماذا حدثت تلك الانقلابات ؟ وما أسرارها التي سيكشفها المستقبل؟ وكانت ثمّة نسبة من الحرّيات ومساحة غير مقيدة للصحافة .. كانت كل المنطقة مقبلة على تحوّلات واسعة بفعل الفراغ الذي تركه البريطانيون والفرنسيون إثر الحرب العالمية الثانية .. كان لابدّ لقوى جديدة ستظهر استراتيجياتها وتتبلور متغيراتها لسد الفراغ .. ومّما يؤلم حقاّ أنّ كلّ شيء اليوم قد إفتضح أمره وبانت حقيقته ، ولم يزل هناك من يتعّلق بالشعارات الطنانة التي روجّها الانقلابيون والاحزاب التي تسمّت بالثورية وقد تذرعّت بالوطنية والقومية والوحدوية والاشتراكية وقد صفقت للخيانات وصمتت عن ممارسات القسوة والغدر .وأخيرا ، فان المآسي التي تعاني منها اليوم مجتمعات الانقلابات العسكرية لأكثر من سبعين سنة مضت كان بتأثير تلك الظاهرة المقيتة، وأنّ كلّ الدماء التي أزهقت وكلّ الرعاع الذين حكموا سنوات طوال وهم لا يستحقون أن يكونوا مجرّد رعاة أغنام ! قد أوصلوا بلداننا  الى هذا المصير البائس الذي تعيشه أوطاننا اليوم. وصدق من قال : "ما كسبناه من الاستقلالات الوطنية بجهودنا .. ضيّعه  الانقلابيون بحماقاتهم وسوء قراراتهم الفاشلة " !

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.