مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

الحلب من بقرتين في آن - د. م. أسامه مجدي الشوا

 


حدثنا أبو العُرَّيف وهو الرجل المعروف والموصوف بأنه: "الملقوف"، حديث الفاهم العارف، وهو يصف لنا بعض المواقف، لنأخذ العِبرة، ونمسح العَبَرة، ونتعظ بدون جهد، وكأننا نأكل الشهد، قال لا فُض فوه، وكأنما أوصاه المرحوم أبوه:
أريدك أن تفهم أن حلب هذه ليست المدينة المعروفة شمال سوريا، أو قرب عاصمة كوريا، بل هي المصدر من فعل: حلب يحلب حلباً، أما البقر فهو الحيوان المشهور، والذي يعطف على البشرية بحليبه الصحي وكأنه وصفة دكتور، وزوجها الثور، أشهر الثائرين، عافانا الله من شر لبطته، اللعين، وهو لا فائدة ترجى منه ولا معروف، سوى ما يحفظ الشجرة البقرية من المتلوف.
أما كلمة "آن" فهي تعني الحين من الزمان، فتقول رأيت زيداً يضرب عمرواً، وطالب يقبِّل صهراً، في آن، أي قي نفس الوقت من الزمان...
والآن، بعد أن فهمتَ العنوان، فلنسرد عليك ما يملأ العقول من خلال الآذان، كما يصب الشاي في الفنجان.
قال المهندس المكلوم:
 "وهنا ألقيت السمع إليه، وقد شد انتباهي، فأنا مستمع جيد ولا أباهي، إذا كان الحديث ذا مغزى مفيِّد، خاصة إذا كان المتحدث يتصف بما جاء به المثل: "خذوا الحكمة من أفواه.." أبي العريف البطل".
قال أبو العريف:
"لقد طُبع الإنسان على الطمع، وحاصة في شؤون المال والمجتمع، فترى الناس يتمرغون في الوظائف الحكومية، طلباً للمنصب والجاه والمكانة، ومعاش التقاعد المضمون بلا إهانة، ويظهرون بين أقرانهم في ألبسة فاخرة وسيارات فارهة ذات أسماء طنانة، ربما تبلغ في الثمن أكثر مما يحتمله راتبهم ولو عملوا طوال الزمن، منذ بدء الخليقة وحتى يأخذ الله (الأمانة).
فإذا سألته من أين لك هذا، أجابك باستهانة: "يا هذا، إنه مال حلال، أتانا من حيث لا نحتسب، وبدون أن نذهب ونحتطب، فلقد عملنا عملاً آخر، إلى جانب عملنا في الوظيفة الباهر، فمكننا من نيل المراد، وأصبحنا نغني كما قالت ليلى مراد: "الحب من حرفين"، وأقسم يا أخي أنهم لا يعرفون منه سوى هذين الحرفين، فأين يذهب الإخلاص للوظيفة وإلى "فين"؟ فأصحابنا يمارسون العمل الآخر ويهملون الوظيفة، وكأن الوظيفة مكان لإثبات الحضور والانصراف على الشماعة، ثم قضاء بعض الوقت في تبادل النكات والشناعة، والوظيفة تضمن لهم مصاريف الإجازة، والادعاء بالغياب لحضور الجنازة، لأب أو لأم أو لفتاة، ربما ماتوا في العام عشرات المرات. وهم يُغَطُّون على بعضهم البعض بالبركة، لأنهم أولاً "بشكة"، ولأن كلاً منهم عنده "شركة"، والعمل الخاص يا أخي مطلوب للمعونة، فهو تمرين على التحصيل العلمي الذي لا توفره الوظيفة اللعينة. فالوظيفة روتين، والعمل الخاص "جوز وتين" وعلم وتفنين، وتطوير وارتقاء إلى عنان السماء، دون حاجة إلى مركوب أو حذاء. والوظيفة الحكومية تضمن المستقبل، فإما تقاعد مبكر مع حزمة من الأموال تضاهي أموال قارون التعيس، وتجعله من إخوان إبليس، أو استمرار إلى تقاعد مناسب، يأتي رأس كل شهر بالراتب، وتنقضي الأيام بلا محاسب. والوظيفة لا تستدعي من الناس سوى الذهاب صباحاً والعودة بعد الظهر، أما الأداء، وأما الشغل المطلوب الذي يقصم الظهر، وأما ما يقضي حوائج الناس، فهناك كما يقول جد عباس: "تعال بكرة فلدينا اجتماع" للبحث في أصول علوم الاجتماع، أو: "الموظف المسؤول غائب بعذر"، أو "لديه إجازة"، أو "يشيّع جنازة"، وقد حمل معه مفاتيح الأدراج، وسيعود مع أدراج الرياح بعد شهر بإذن الله، إذا عشت يا أخي بمشيئة الله.
قال أبو العريف:
"الشغل، بهذا الشكل، في عملين، كمن يحلب بقرتين، في آن، يمسح ضرع الأولى فتدر أصفى الألبان، ويمسح ضرع الأخرى فتدر بلا عدوان، ويملأ "الجردل" ويعود لأهله كالجردل، وقد نال حرامين: "معاش من وظيفة لا يعمل فيها، ولا يؤدي حقوقها، ومال من عمل مغتصب، حصل عليه بفرض سطوته في المنصب، على متسبب". وتكون الخبرة الكبرى التي اكتسبها الناس: كيف يضحكون على الناس، ويستغلون الناس، والبركة في الاستقدام، والترؤس على الأزلام، والدوس على الناس بالأقدام. وهنا تكتمل الصورة، وتخرج البقرتان من الصورة، ويدخل الثور الهائج، فانجُ بنفسك وادع معي: "يا قاضي الحوائج... 
 
 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.