مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

حول المؤتمر العربي للإسكان- د. م. أسامه مجدي الشوا

 


قال المهندس الرصين:

كنت جالساً في الصباح، أريح النفس وأرتاح، وأتأمل في شوارعنا العجيبة، حيث تتناطح الشاحنات والسيارات، كأثوار مصارعة الثيران بإسبانيا في الحلبات، ويروح الناس ويغدون بنفوس كئيبة، وكأنّ كلاً منهم واقع في مصيبة، ولا ترى بسمة إلا على وجه طفل في الثالثة، لم يعرف بعد سبب الفاقة في حياته البائسة، ولا يعرف لمَ أبوه عابس وأمه عابسة، وكأنهم من آل عبس، كلّ شيء في حياتهم يسير بالعكس.

وفجأة وكالعادة، وبدون مقدمات ولا إفادة، ظهر أبو العُرِّيف المكين، كما يظهر جني مصباح علاء الدين، ودون الحاجة لفرك المصباح، إذ تأكد أنه لن يجعلك ترتاح! ظهر وبيده جريدة، يلوح بها وكأنها الفريدة، ويصرخ بصوته الجهوري، كأنه سيارة شحن (لوري):

"أنظر بالله عليك! هل تنطلي هذه الإعلانات عليك؟ هذا إعلان في غاية الإمعان، يقول أنّ العرب الفرسان، من جميع البلدان، العاملون في الإسكان، ومرافق ومجتمعات العمران، سيعقدون اجتماعاً قريباً، ليبحثوا في الإسكان؟! تحت موضوع طنّان رنّان: (نحو مدن ذكيّة مستدامة تحقق جودة الحياة)، فقد عرفوا أخيراً أننا نسكن (مدناً غبية، لا تحقق جودة الحياة)، بل لا تحقق لنا الحياة! فهل بالله يريدوننا أن نعتقد أنهم بذكائهم الذي عاصرناه دهوراً، وعانينا منه عصوراً، سيحلّون هذه القضيّة، أم أن حلها سيكون مثل تلك التي في بالي وبالك (القضية!!!)، وقولي هذا ليس من باب الانتقاد والسخرية، فأنا خريج مدرسة (نحو الأمية)، مع أنّ الانتقاد واجب النفوس المخلصة الأبية، فإني أقول أنّ ما تقوم به الحكومات العربية، من برامج تريد بها أن ترتقي بجودة حياة الإنسان العربي هي برامج وهمية، فكيف ترتقي بمدن أغلبها أبنية استثمارية، وأغلب المواطنين فيها مستأجرون ويندر من له ملكية، يتحكم المؤجر فيها بكل شيء، فالبناء ذو شقق كعلب السردين في القباحة، ليتمكن المستثمر من حشر عشرات منها في أرض محدودة المساحة، ويفرض على السكان أجوراً سفّاحة، يزيدها متى شاء، ولا يصرف عليها قرشاً لتحسين الأداء، فتتهالك ويتهالك معها السكان، فهل بعد هذا في الإمكان، القول بمدن ذكيّة تصلح لحياة الإنسان؟

بينما تركّز الحكومات العربية على إنشاء المدن السياحية، وتبني بإسراف عجيب تلك المدن وما يماثلها من مشروعات، والتي يعلنون أنها ستفتح علينا أبواب البركات، والتي -في الحقيقة- يذهب ريعها لمستثمري تلك المدن السياحية، من أصحاب الملايين والسطوة الأبدية، ولا تفيد المواطنين أو أحداً من الذرّية، إلا إذا اعتبرنا أنّ توظيف بعضهم كأدلّاء سياحيّين، وخدم ومساعدي طباخين، (إذا لم نذكر الآخرين، من مطربين وراقصين...و...)، هو (دخل قومي)!  بينما لا تبني هذه الدول لمواطنيها مساكن تملّكها لهم بطرق تناسب مداخيلهم، وتسعدهم قبل انقضاء حيواتهم، وانتقالهم إلى بارئهم؟ وستبقى مدننا رغم كل هذه المؤتمرات، عبارة عن عشوائيات، حتى لو تمت الأبنية فيها بأسلوب عصري رصين، لأنها تخدم المستثمرين ولا تخدم المواطنين.

 قال المهندس الحصيف، الذي كان يجلس على الرصيف، ويحاول إخفاء وجهه بالجريدة، حتى لا يتعرف عليه سادتنا أصحاب القدرات العتيدة:

وهنا قاطعت أبا العريف مشوّحاً بيديّ، وواقفاً على رجليّ، وصحتُ به: ويلك يا أبا العريف، أقوالك هذه سترمي بنا في السجون، رغم أن حديثك فيه شجون، ويعالج كبريات الشؤون، لكني لست بمجنون لأشاركك العبارة، وأصف السادة مسؤولينا بالحقارة، فهم أصحاب الحل والعقد، ويستطيعون أن يفعلوا الأعاجيب، ولن يستجيبوا لسائل إذ ليس بينهم مجيب، فاذهب يا رعاك الله، وتعوذ بالله، واقلب الموضوع على قفاه، واشكره أنه صنعك كإنسان، وميّزك بالتعبير والنطق عن الحيوان، ولو أننا أصبحنا نحسد الحيوان!. 

 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.