مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

التهنئة بالمولود - د. م. أسامه مجدي الشوا

 


أدهشني أبو العريف وهو يخطر في ثوبه الأبيض الوحيد، ويتبختر كالطفل في يوم العيد، ويمد إليّ بيدٍ السلام، ويبدأ فوراً في الكلام، قلا يترك مجالاً لاستفهام، بل يتركني في حيرة، وكأنني في هذا الحر القائظ أغطس في بحيرة، ليس بها ماء عذب، (فشاحنة الماء) منه خالية، وأعز من الرحمة في أيامنا البالية، ولا أريد أن أكون سبباً في زيادة الاستفهام، فالكذب كما كان يُقال: حرام! فبحيرتي كانت من العرق الخالص، الذي ينساب من الجلد والرأس و(المقانص). قال أبو العريف لا فض فوه:

"جئتك أستعير المشلح الأسود الغالي، فأنا ذاهب في تهنئة عزيز غالي، على مولود ذكر، ليس له مثيل بين البشر، فسُمعتُه طبقت الآفاق كالرعد، رغم أنه من سرير الولادة ما أفاق بعد، فلقد تلقيت على  الهاتف الجوال رسالة، تيشرني بالمولود، وتصف لي أحواله، وتهنؤني به وكأنه ابني أنا، وأنت تعلم محبتي للغنا، قلقد طرت من الفرحة، خاصة وأنه ابن حبيب مشهور بين النجوم، واسمه معلوم، ومفهوم، ومن بلاد الرافدين أتى بوجدانه، وأشدانا بصوته وألحانه، وصال وجال في عالم الغناء والغرام، حتى أصبحت أترنم بأغانيه في الحمّام، وأحلق ما طال من لحيتي وأنا غارق في الأوهام، بأن صوتي أصبح، من محبتي له، مثل صوته، وتقمصت شخصيته، فأنا أسير مثله، وأضحك مثله، وأصحو مثله، ولكني لا أنام مثله، ففراشي به شوك وقش نوعي، ومخدتي كُوعي وبُوعي، وهو مطمئن لحسابه  في البنك، وأنا أستجدي الحسنات على باب البنك، وأكبر مبلغ حصلت عليه، كان شيكاً بلا رصيد، يا أسفي عليه، ولا مزيد، فقدت فيه عرق جبيني يا خسارة، وتحملت إهانة موظفي التجارة، وسخر مني الجميع، لأنني لا أعرف عنوان صاحب الشيك الرجيع، وغاب عن الموظفين أن العنوان لدى البنك موجود، ومعروف ومحدد، ومثبت ومجدد، وأيضاً في السجل التجاري، وكل ما عليهم هو سؤال البنك أو الغرفة، ولبس سؤالي باستهزاء ووعيدي "بقضاء ليلة في الغرفة"، لو كانوا حقاً يريدون المساعدة، ولكن لا حول ولا، وإنّا إليه، ونعود لموضوعنا إياه، فقد أتيت إليك مستعيراً، ومن مظهري الفقري مستجيراً، فالمشلح الأسود ضرورة، لمن أراد دخول الأوساط المشهورة، ولم تغلق في وجهه الأبواب، ولا ردّه حارس ولا بوّاب."

قلت: "يا أبا العريف، أنا دائماً تحت الأمر، أنا والمشلح الأسود، والشنبات السُّمر، لكنني لم أفهم من كل كلامك ما يفيد، سوى رغبتك التهنئة بالمولود، وأنا كما تعلم لا أعرف من رَزَقه الله بهذا المولود الموعود، فهلا شرحت ووضحت، حتى أشاركك الفرحة، وأذبح تيساً أو على الأقل فرخة."

قال أبو العريف، وهو فاغر فاه، ويكاد من الدهشة ينقلب على قفاه: " ألم تصلك الرسالة بالجوال، ألم يبلغوك باجمل الأقوال، ألم يبشروك بالمولود إياه، أم أنهم خصوني بالخبر، لأنني أحب أباه؟"

قلت: "يا أبا العريف ومن أبو المذكور، أهو مهندس أم دكتور؟"

قال وهو يضرب كفاً بكف: "وأين هذان النكرتان من المطرب المرموق، وكيف تشبه حجر الياقوت والزمرد بالبرقوق؟ إنه المطرب الباهر (كاظم الساهر) مطرب العشاق، الذي طبقت شهرته الآفاق، وذاع صيته بين الرفاق".

قلت: "يا أبا العريف، ولكني قرأت كل المجلات المهمة، والتي تتكلم عن الفن والفنانين بهمة، وتنشر أخبارهم، وتنوّرنا بأفعالهم وأقوالهم، فهم أولياء النعمة، في هذه الأيام المدلهمة، وهم مرجعنا في حالك الأيام، ودليلنا حين يحيطنا الظلام، وأفواههم تفيض بالحكمة، وتزيل من قلوبنا الغمّة، ولم أجد في أي منها ذكراً لمولود جديد لكاظم الساهر، المطرب العتيد، والمغني الصنديد".

قال أبو العريف: "ما ظننتك سطحياً في القراءة، وأنك تمر بالسطور مرور الكرام، رغم أنك من الكرام، ويغنيك القليل من الكلام، بل محبوبي الباهر، رُزق بمولود طنطنت له الجوّالات، وتلقى الجميع الخبر بفرح وسرور، وستقام له الاحتفالات".

قلت: "عجباً، أرني الجوال".

دفع أبو العريف بالجوال إليَّ، والرسالة مفتوحة مصورة، وتقول بالحروف االمنوَّرة: "نبشركم بنظام الساهر". فلم أشك لحظة أن المولود "نظام الساهر" هو الابن الشرعي للمطرب "كاظم الساهر"، وأسرعت أرتدي المشلح الأسود، لأرافق أبا العريف وأكون أول المهنئين والأسعد.

(تذييل: نظام الساهر ليس ابن كاظم الساهر، بل هو نظام مخالفات المرور في السعودية، أجارنا الله القاهر).              

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.