مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

هَمَسَ فِي أُذُنِي فَعَلَّمَنِي - بِقَلَمِ / حُسَامُ الدِّينِ أَبُو صَالِحَةٍ

في موقف غريب، وحدث عجيب، وغرابته تكمن في طريقة حدوثه من عفوية بغتة، وحدوث فجأة بمصادفة غير معدة، أو مرتبة من ذي قبل، حيث كنت أصلي التراويح ، وإذا برجل يريد أن يمر فجأة أمامي من بين يدي الي موضع سجودي أثناء الصلاة فتذكرت نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المرور بين يدي المصلي، وأمره برد المار بين يدي المصلي، فلا يجوز أن يمر المسلم بين يدي أخيه لقوله :

{ لو يَعْلَمُ المَارُّ بيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عليه، لَكانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرًا له مِن أنْ يَمُرَّ بيْنَ يَدَيْهِ. قالَ أبو النَّضْرِ: لا أدْرِي أقالَ: أرْبَعِينَ يَوْمًا، أوْ شَهْرًا، أوْ سَنَةً} "١ "

وبرواية أخري : {لو يعلمُ المارَ بين يدَي المُصلِّي والمصلَّي ما عليهما في ذلك لكان أنْ يقفَ أربعينَ سنةٍ خيرًا له من أن يمرَ بين يدَيه} ."٢"؛ فأطلقت يدي أمامه لأمتعه من المرور أمامي فاستجاب فعلًا، وامتنع من المرور أمامي، ثم جاء من جانبي الأيسر، وهمس بأذني بصوت مسموع لي قائلًا :

[ أنت تصلي مأموم بصلاة التراويح فسترة الإمام سترة لك] ثم انصرف عني."٣" . 

كان كلامه مدويًا مازال وقع سماعه يتردد صداه بأذناي كأن وقعه أشبه بضربة فوق رأسي قد هزتني، وزلزلتني، وأخَلَّت بتوازني؛ حيث باغتني بحكم لم أسمعه من قبل؛ فالمعلوم لدَيَّ أن المرور بين يدي المصلي منهي عنه علي وجه العموم لا فرق بين منفرد، أو إمام، أو مأموم ، وقد أثارت جملته[سترة الإمام سترة لك] التي ألقاها بأذناي، ثم ولَّيٰ مُنصرفًا عني تحفيزي، ودفعتني علي وجه السرعة فور الانتهاء من صلاة القيام؛ بمراجعة الحكم الفقهي المتعلق بذلك الحدث ، فإذا بي أقرأ عجب العجاب ، وأبصر تفنيدًا، وتفصيلًا بأدلة، وأسباب، حيث بدا لي ما خفي عني، وأبصرت ما لم يخطر بظني؛ فالمرور بين يدي المنفرد، والإمام له حكم، وبين يدي المأموم  له حكم آخر ، وليس حكمًا واحدًا علي عواهنه، وعمومه كما اعتقدت سلفًا، وبيان ذلك علي النحو التالي "٤"

مَن أراد أن يمر أمام المصلي ، فهذا لا يخلو من أحوال :

أولًا : أن يمر بين يدي المصلي( المنفرد، أو الإمام الذي يؤم الناس) في المنطقة التي بين سجوده ،ووقوفه ، فهذا محرم ، بل هو كبيرة من الكبائر ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ؛ لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه " . قال أبو النضر – وهو أحد الرواة - : لا أدري أقال : أربعين يومًا أو شهرًا أو سنةً ."٥" . وهنا لا فرق بين أن يكون له سترة، أو لا يكون له سترة .

ثانيًا : أن يمر في المنطقة التي من بعد موضع سجوده ، وتلك لها حالتان :
الحالة الأولى: أن يكون المصلي يتخذ سترة ، فهنا يجوز المرور من خلف السترة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصا ، فإن لم يكن فليخط خطا ثم لا يضره من مر بين يديه ) "٦"

وعن طلحة - رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبالي من مر وراء ذلك} "٧"

الحالة الثانية : أن لا يتخذ سترة ، فهنا ليس له إلا موضع سجوده ، وهذا الأقرب من أقوال أهل العلم ، ويجوز لمن أراد أن يجتاز أن يمر فيما يلي موضع سجوده ، وذلك؛ لأن النهي الوارد في الحديث إنما هو في المرور بين يدي المصلي ، وما يلي موضع سجوده ليس بين يدي المصلي .

- قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر اختلاف العلماء في المسافة التي يمنع المصلي أحدًا أن يمر فيها أمامه :
وأقرب الأقوال : ما بين رجلين، وموضع سجوده ؛ لأن المصلي لا يستحق أكثر مما يحتاج إليه في صلاته ، فليس له الحق أن يمنع الناس مما لا يحتاجه ."٨"

-هذا كله فيما لو كان منفردًا، أو إمامًا ،أما لو كان مأمومًا ، فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه. قال البخاري رحمه الله :" باب سترة الإمام سترة لمن خلفه".

وعن ابن عباس قال :" أقبلت راكبا على حمار أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار ، فمررت بين يدي بعض الصف ، وأرسلت الأتان ترتع ، فدخلت في الصف؛ فلم ينكر ذلك علي ."٩"

- والصحيح من أقوال أهل العلم أن مكة، وغيرها سواء لعموم الأدلة ، ولا يوجد ما يخرج مكة من هذا العموم ، وهو اختيار الشيخ ابن عثيمين . "١٠"، "١١"

"١٢" فسبحان الله الهادي يُيَسِّرُ لنا من خلقه بلا سابق إنذار، أو مقدمات بإخطار مَنْ يعلمنا حِكَمًا سديدة ، أو أحكامًا فريدة، أو يكسبنا قيمًا غالية ، أو يصوب بأذهاننا أفكارًا بالية ، أو يأخذ بأيدينا من عثرة إلي بر نجاة، أو يضيء لنا شعاع نور من أمل بدروبنا المعتمة، وطرائقنا المظلمة؛ فيتوالي الخير، وتترا الهداية، وينفلق الإصباح، وتنقشع الظلمة، ويسود العلم، ويذوب الجهل، وصدق النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عنه عمار بن ياسر : " أمَّتى كالمطرِ لا يُدرى أولُّه خيرٌ أم آخرُه"."١٣" 

فَلْيَرحَمُ اللهُ-تَعَالَىٰ - مَن بصرني بجهلي، وزاد علمًا إلي عقلي "١٤" ؛ إذ {لا يزال المرء عالمًا ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل}. "١٥"

فقد علَّمَني مَن هَمَسَ بأذني أنَّ الإمام ساتر لي من المار بين يدي، وبالتالي فلا حرج علي مَن يَمُرُّ أمامي، وبين يدي طالما أصلي في جماعة، ولست منفردًا، أو إمامًا. "١٦" 

.................................... 

المراجع، والآيات، والأحاديث :

١- أنَّ زَيْدَ بنَ خَالِدٍ أرْسَلَهُ إلى أبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ: مَاذَا سَمِعَ مِن رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المَارِّ بيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي؟ فَقالَ أبو جُهَيْمٍ: قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لو يَعْلَمُ المَارُّ بيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عليه، لَكانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْرًا له مِن أنْ يَمُرَّ بيْنَ يَدَيْهِ. قالَ أبو النَّضْرِ: لا أدْرِي أقالَ: أرْبَعِينَ يَوْمًا، أوْ شَهْرًا، أوْ سَنَةً.

الراوي : أبو جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 510 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

٢-الراوي : زيد بن خالد الجهني | المحدث : العراقي | المصدر : تخريج الإحياء للعراقي | الصفحة أو الرقم : 1/247 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح. 

 ٣-الكاتب.

٤-الكاتب. 

٥-أخرجه البخاري (510) ، ومسلم (507) عن أبي جهيم رضي الله عنه. 

٦-أخرجه أحمد (3/15) ، وابن ماجه ( 3063) ، وابن حبان ( 2361) ، قال ابن حجر في البلوغ (249) : ولم يصب من زعم أنه مضطرب ، بل هو حسن .

٧-أخرجه مسلم (499 ) .

٨-الشرح الممتع ( 3 / 340 )
٩-أخرجه البخاري (76) ، ومسلم ( 504 ) .
انظر : المغني ( 2/42 ) ، ( 2/46 ) .
١٠-انظر الشرح الممتع 3 / 342.

١١-(موقع الإسلام سؤال، وجواب، محمد صالح المنجد) 27-08-2002 المرور ببن يدي المصلي.

١٢-الكاتب. 

١٣-المحدث : ابن كثير، جامع المسانيد، والسنن، الصفحة أو الرقم : 7787.

١٤-الكاتب. 

١٥-المجالسة وجواهر العلم (2/186)] ابن المبارك

١٦-الكاتب.


ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.