مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

أنبل سارق - محمد الصالح الغريسي

 

 
لا يسألني أحدكم من هو "عجاجة" بطل قصّتنا. هذا اللّقب جاءه من سرعته في القيام بالسّرقة، ثمّ اختفائه عن الأنظار بسرعة و سلاسة الرّيح.
قرأ "عجاجة" على وسائل التّواصل الاجتماعيّ، خبرا غير مألوف. كان الخبر في البداية مفاجئا له، ثمّ دفعه فضوله إلى قراءة تفاصيله. يقول الخبر:
"تعلن هيئة جمعيّة "سرّاق بلا حدود"، عن تنظيم مسابقة مفتوحة، رصدت فيها جائزة قيّمة لأنبل سارق تتفق عليه لجنة تحكيم المسابقة.  تقبل التّرشّحات للجائزة  بداية من يوم .... إلى يوم .... و يكون موعد إعلان الفائز يوم ....
مع العلم أنّ مقدار الجائزة هو، مائة ألف دولار، تحولّ للفائز في حساب سريّ بعملة "البتكوين".
شروط المشاركة:
1 – أن يكون السّارق المشارك قيد الخدمة، أي غير متقاعد و لا تائب.
2 – أن يقدّم سيرته الذّاتيّة شريطة أن لا تتجاوز مائتي كلمة. تكون مصحوبة ببعض المؤيّدات كعدد الإيقافات الّتي تعرّض لها، و الأحكام الصّادرة في حقّه.
3 – وصف لحادثة السّرقة التي يثبت فيها نبله كسارق، على ألاّ يتجاوز ثلاثمائة كلمة.
4 – لا يوجد تحديد لا في السنّ و لا في الجنس، و لا في البلد.  
 
 الإمضاء
رئيس جمعيّة سرّاق بلا حدود
س- ب – ح
 
كان "عجاجة" بارعا في العديد من أنواع السرقة، كالسّرقة بالنّشل، و السّرقة بتسوّر البيوت و المحلات، و السّرقة بالخلع الآمن، و السّرقة بالتّحيّل. و أبغض أنواع السّرقة لديه، هي السّرقة تحت تهديد السّلاح أيّا كان نوعه، أو باستعمال العنف أيّا كان شكله، و القاسم المشترك بينها جميعا هو سرعة الإنجاز مع سرعة الاختفاء. و ما لا يعرفه عنه إلاّ أشخاص قليلون، هو براعته في قرصنة حسابات مواقع التّواصل الاجتماعيّ و بعض المواقع الإلكترونيّة. لم تكن قرصنة موقع إلكترونيّ ما تكلّفه سوى لحظات قصيرة، ما جعله معروفا لدى البعض من أصحاب '' الاحتراف'' بالسّارق المثقّف.
توقّف " عجاجة " طويلا عند الخبر. لقد أعجب بطرافته، و بدافع الفضول قرّر متابعة الموقع، و محاولة التّعرّف على بياناته، و بالتّالي متابعة أخبار هذه الجائزة للتّعرّف على قصّة أنبل سارق. مع ذلك لم تخامره قطّ فكرة المشاركة في مسابقة الحصول على هذه الجائزة. ما كان يستهويه، هو أن يطّلع على كلّ ما يتعلّق باختصاصه.
عند حلول موعد الإعلان عن نتائج المسابقة، كان "عجاجة" في الموعد بهاتفه الذّكيّ، من آخر طراز. و لا يسألني أحد كيف حصل عليه، وهو الّذي يعرف الجميع أنّه عاطل عن العمل. المسألة لا تحتاج إلى كثير من الذّكاء.
يقول الفيديو: بعد اطلاع لجنة التّحكيم على المشاركات، تمّ اختيار ثلاثة منها لتطرح لتصويت الجمهور على المباشر،
و إليكم تقارير المشاركين الثّلاثة.
السّارق الأوّل:
"في زحمة الحافلة، انتشلت محفظة نقود بها مبلغ مالي لا بأس به، من شابّة في مقتبل العمر؛ ثمّ تقدّمت نحو باب النّزول. و ما هي إلاّ أن سمعت صياح و عويل الشابّة ، ثمّ أغمي عليها. أنزلها بعض الركّاب في أقرب محطّة قصد إسعافها. و لمّا استعادت وعيها ظلّت تبكي و تلطم وجهها و تقصّ ما حلّ بها:
-        المبلغ الّذي سرق منّي هو ألف دينار و هو قسط من معلوم عليّ أن أدفعه للمصحّة مقابل إجراء عمليّة جراحيّة لولدي لاستئصال ورم خبيث في الدّماغ. وعليّ أن أدفع ضعف المبلغ قبل خروجه من المصحّة.
و يواصل المتسابق الأوّل حديثه قائلا:
-        لمّا رأيت و سمعت ما حلّ بالفتاة، رقّ لها قلبي، رغم قيمة المبلغ الّذي انتشلته منها، و هو أكبر مبلغ انتشلته في حياتي، تقدّمت منها و أخذت أخفّف عنها و أواسيها، و استطعت في النّهاية إقناعها بأن أضمنها لدى المصحّة. و بعد أن كنت غنمت منها ألف دينار. انتهي بي الأمر إلى تسديد كلّ المبلغ المتخلّد بذمّتها      و هو ثلاثة آلاف دينار، على دفعات . و لا حاجة لكم أن تعلموا كيف حصلت عليها. فمثلي لا يسأل عن ذلك."
السّارق الثاني:
"تسلّقت سور منزل فخم في أحد الأحياء الراقية، بغية سرقة ما خف حمله و غلا ثمنه. كنت طبعا قد تأكّدت من خلوّ المنزل من ساكنيه. كنت مطمئنّا، أن لا أحد بالمنزل، و أنّه لديّ ما يكفي من الوقت لأفحص محتوياته و انتقي ما يروق لي، حبّذا لو كان من المجوهرات. و ما أن بدأت في معالجة قفل الباب حتّى سمعت صوت حركة داخل البيت، ثم تلا ذلك صوت امرأت تصيح و تستنجد. في البداية كنت على وشك أن ألوذ بالفرار ظنّا مني أنّ أمري قد انكشف. لكن مع تصاعد وتيرة الصّياح و طلب النّجدة، أدركت أن المرأة تتعرّض للاغتصاب. ما كان منّي إلاّ أن فتحت القفل و دخلت المنزل، و انقضضت على المعتدي لكما و ركلا، فلم يفلت منّي إلاّ بأعجوبة. ثمّ جعلت أطمئن المرأة، أنّي كنت مارا في الشّارع، و لمّا سمعتها تستنجد بادرت لنجدتها. في النّهاية، خرجت من المنزل، بيد فارغة و أخرى لا شيء فيها.
السّارق الثّالث:
"تعرّفت في المسجد على شابّ في مقتبل العمر. كنّا في كثير من الأحيان نؤدّي الصّلوات الخمس في المسجد كلّما سمحت ظروفنا بذلك. أمّا صلاة الفجر فكنّا نصلّيها معا بشبه انتظام، إذ يجوز لأحدنا أن يغيب عن الآخر فترة قصيرة من الزّمن بسبب بعض الالتزامات القاهرة. كنت أشتغل أجيرا بالثّلث عند صاحب تاكسي قديمة، و قد بدأ إيراد السيّارة يقلّ، و مصاريفها تزداد. و عرفت من صاحبي أنّه كان في دورة تكوينيّة بأحد البلدان الأوروبيّة لمدّة ثلاث سنوات. كان صاحب شهادات عليا، علميّة و تقنيّة. عاد منذ فترة إلى أرض الوطن و جلب معه سيّارة جديدة معفاة من الأداء الجمركيّ. بتوطّد العلاقة بيننا، أسرّ لي بأنّه قدّم استقالته من العمل بمصلحة حكوميّة حسّاسة بسبب التزامه الدّينيّ. و قد تعرّض بسبب ذلك إلى مضايقات كثيرة، و أصبح يعاني من مراقبة لصيقة، بسبب الشكّ في انتمائه إلي جماعة دينيّة متطرّفة. عرضت عليه أن يسوّي وضعيّة سيارته الجديدة مع الجمارك،     و أن ننجز معا عقدا صوريّا يبيعني بمقتضاه السيّارة كي يتسنّى تحويلها إلى تاكسي، على أن يكون إيرادها بالثّلث بيني و بينه و الثّلث الثّالث لتغطية مصاريفها. و بالفعل تحوّل الاقتراح إلى إنجاز. كنت أسلّمه إيراد السيّارة كلّ نهاية أسبوع و أتسلّم منه وصلا في المبلغ بدعوى الوضوح و ضبط الحسابات. و لمّا بلغ ما تسلّمه منّي من مبالغ الثّمن الصّوريّ المنصوص عليه في العقد الصّوريّ الممضى بيننا، اختفيت من حياته بسلاسة. و فهم أنّه في وضع لا يحسد عليه، وضع لا يسمح له أن يطالبني بأيّ شيء. و هكذا تحصّلت على سيّارة جديدة و بثمن زهيد و بدون فوائض بما يتوافق مع الشّريعة."
اطلع المتابعون للموقع على القصص المختارة الثّلاث و بدأ التّصويت.  كانت المنافسة على قدم و ساق. و كان الفوز مرّة يقترب من هذا الفريق و مرّة يميل إلى آخر، إلى أن انتهى الوقت المحدّد للتّصويت و تمّ الإعلان عن الفائز، و ّ تحويل المبلغ المالي إليه في التوّ.
قبل انتهاء حفل الإعلان عن الجائزة و تحويلها، كان ثمّة متسابق آخر غير معلن، قد اخترق الموقع المحصّن الّذي يعبّر عنه بــ"الدّارك ويب"((dark Web أو الشّبكة المظلمة، و حوّل البلغ لحسابه في لمح البصر؛ ألا و هو صاحبنا ‘’عجاجة ‘’.
قبل أن يغادر عجاجة الموقع، ترك الرّسالة التّالية:
" أنا "عجاجة" السّارق متعدّد المواهب، أعلن تقاعدي عن ممارسة كلّ أنواع السرقة التّقليديّة، من نشل و اقتحام و تسوّر و احتيال ...إلخ، و التّفرغ لسرقة المحترفين على "الدّارك ويب". و سأكون بذلك أنبل سارق عرفه التّاريخ. "    
     
 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.