مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

رحة المطر - عزالدين مبارك

 


 
يأتي المطر رذاذا
ثم ينهمر سيولا
يبلل الطرقات فجرا
ويلقي الغبار بعيدا
لقد تركنا المعاطف نائمة
والمطريات تبحث عن رفيق
مطر مطر مطر
يبعث الدفئ في القلوب
ويعيد للحب عمر جديد
قبلة ممزوجة بقطرات الماء
وأنا أودع زوجتي الحبيبة
ذاهبا هناك لقتل الوقت في اللاشيء
غيوم تغدر بضوء الشمس
وطيور تعود من منافيها
تمرح في أعالي الأشجار
وربيع خلناه مودعا
لا ورود ولا زهور
فها هو المطر العنيد
يسفه أحلام الصيف
فلعله يمطرنا بالعقيق
والأقحوان والزغاريد
ها هي  رائحة التراب
أشمها حتى تنتفخ رئتاي
فأتذكر أمطار الريف
والجداول وسواقي الحقول
نجعل من بركها مسابح
ومن الطين نبني أوطانا
وقلاعا ومدنا شامخة
تهدها الوديان الهادرة
في رمشة عين
وأبي واقف على باب الكوخ
وقد عادت لوجهه ابتسامته
"العام عام صابة"
فابشري يا ابنة العجاج والشيح
وديكنا المرقط يصيح
وهرتي الصغيرة نشطة
وأمي توقد النار في الهواء الطلق
لتحضر "كسرة" الصباح
فتأتي بها سخنة مع قطرات الزيت
نأكل الرغيف تلو الرغيف
فمع المطر يكون الشبع مستحيلا
فالمطر هناك هو الحياة
وهنا في المدن المزدحمة
والأزقة بيوت للعربات
والمشردين والأوساخ
يأتي المطر ليعري حالنا
ويفضح أخلاقنا المنافقة
ويعيد تحضرنا المزيف
إلى بدائية العصور الأولى
فيمسح عنا المساحيق الكاذبة
ويرجعنا إلى حيث نحن
وفي الطريق الموحلة
تخرج ينابيع البالوعات أثقالها
وتتدفق أنهار من الحفر الواسعة
وشرفات بيوتنا تعلق بها أكياس المزابل
مكان باقات الورد والياسمين
وطفل يبكي على قارعة الطريق
لا يريد الذهاب للمدرسة
خلف جبل "الحمر" البعيد
يخاف الذئاب والكلاب الجائعة
حافيا يمشي بين الحقول
كراس ورغيب شعير يابس بمحفظته
حالما بالوصول هناك سالما
وقد تجرفه السيول والوديان
فتبكيه أمه حزنا موجعا
ولتنسى تأتي بأخوه الوليد
لعل الظروف تتغير يوما ما
فكل شيء مرهون بالماء
وبما تجود به السماء.
 

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.