مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

المُوَظَّفُ المُلَمِّعَاتِي، وَنَافِقَاءِ اليَربُوعِ - بِقَلَمِ / حُسَامُ الدِّينِ أَبُو صَالِحَةٍ.

 

 
مقارنة غير عادلة، ومقاربة غير متساوية بحق اليَربُوعِ عندما شبهنا الموظف المُلَمِّعَاتِي به في نفاقه، وشدة ريائه ؛ حيث أُخِذَتْ مادة النفاق في اللغة مِن نافقاءِ اليربوعِ؛ لدخوله من جحر، وخروجه من غيره ، فالنَّافِقَاءُ هي إِحدى جِحَرَة اليَرْبوع يكتُمُها ويُظْهِرُ غيرها، وهو أَصل النِّفاق يقول أَبو عُبَيْدٍ : والنافِقاء إِحْدَى جِحَرةِ اليَرْبوع يَكْتُمُهَا ويُظْهر غَيْرَهَا وَهُوَ مَوْضِعٌ يُرَقِّقُهُ، فَإِذَا أُتِيَ مِنْ قِبَلِ القاصِعاء ضَرَبَ النافِقاء برأْسه فانْتَفَق أَي خَرَجَ( لسان العرب لابن منظور ج١٠ ص ٣٥٩)
ولوجه واحد للشبه، وهو مُخالفةُ الباطِنِ للظَّاهِرِ حالَ النفاقِ ، لكن هذا الفعل لا يقدح  باليربوعِ؛ لأن ذلك ديدنه، وطريقة حياته، وأسلوب معيشته التي عهدها، وتربي عليها، وألفها ،أما الموظف المُلَمِّعَاتِي الذي يُظهِرُ خِلافَ المعهود ، ويَشُذُّ عن الصراط؛ لطريق مسدود ، فلا مبرر لديه بالنفاق، ولا دافع له بالرياء مهما تَعَلَّلَ ، أو قال، وَتَذَرَّعَ.
- فالمُوَظَّفُ المُلَمِّعَاتِي هو مَن يعمل علي تلميع صورة مرؤسيه القبيحة، وذياع صيتهم السيء، وتضخيم إنجازاتهم الأوهن من بيت العنكبوت،حتي انحصر دوره بكتابة عبارتين عبارة خاصة بالأفراح وهي {ألف مبروك، تستاهل كل خير معالي المسئول} ، وعبارة خاصة بالأتراح، وهي {لا حول، ولا قوة إلا بالله، البقاء والدوام لله } فهو بوق لهم، لكنه من أشنع الابواق، وأكثرها صَخَبًا؛ حتي تُسْمع ، ولسانٌ حَادٌّ بالباطل عَلىٰ مَن انتقدهم، ولو كان الناقدون لهم علي حق، فقد استبدل ذاك الموظف أساس عمله، وتَخَصُّص شغله، أيًّا كان طواعية دون تكليف من أحد سوي نفسه المداهنة، وذاته المرائية، وضميره المُغَيَّبِ، ومبادئه الضالة، ومعتقده الفاسد، وخُلُقِه السيء، وتصرفه الشاذ؛ لينافق، ويداهن، ويرائي رؤساءه، وأرباب نعمته بالعمل؛ إذ يعمل على تحسين سيرة مديريه، ورؤساء عمله بأسماع الناس، وتجميل صورتهم بأعينهم، فكأنه قد تخصص بالدعاية، والإعلان لهم فَيُشَيِّرُ لهم بمواقع التواصل دون حاجة ماسَّةٍ، أو مبررٍ مُلِحٍّ لإنجازاتهم المزعومة، وفتوحاتهم الواهمة، وقراراتهم التي هي، والعدم سواء ؛ فَيَتَحَوَّلُ هذا المُلَمِّعِ من موظف مرموق له كينونته، واحترامه لنفسه أولًا، ثم بين زملائه إلي مُرَوِّجٍ لسلعةٍ رديئة هو يدري حقًّا صلاحها من طلاحها، بل هو أشَدُّ النَّاس يقينًا بطلاحها، وأكثرهم معرفة بفسادها، وانتهاء مدة صلاحيتها ، لَٰكِنَّ عينيه القاصرتين أبتا ألا تريا إلَّا منفعته الزائفة بِتَمَلُّقِ هذا المدير ، ومصلحته الآنية بنفاق ذاك المسئول ، وإن غَضَّ الطرف عن الحق، ونأىٰ بنفسه من قول الصدق؛ فألجم فاه بِلُعَاعَةٍ زائلةٍ، ومطمعٍ زائفٍ من عرض الدنيا عن قول الصواب بكتمانه ،وتزيين الباطل، وإلباسه أبهىٰ حُلَلِه، وبهتانه؛ فما أيسر سبل النفاق وصولًا للمآرب ! ، وما أسهل التملق، والمداهنة، والافتراء ، وإن ألمَّتْ به المتاعب !
-فهذا حال المُلَمِّعِين دائمًا ، ولكن مهما ارتفعوا للقمة؛ سيبقون فى ظلمات الأنفاق، وسيظلون تحت الأرض كالأفاعي تستبيح النور فقط لمداهمة فريستها، فَالمنافقَ يقولُ كثيرًا، ويعملُ قليلًا، فحياته كلها مُسَخَّرةٌ لإلقاء الضوء علي أرباب النفوذ، وأصحاب المناصب؛ فقد شغل نفسه بمن ذهب، ومن جاء، ومن حيا، ومن مات، ومن ظل، ومن فات، لا يعرف سوي التهليل، والتطبيل، والمدح، والثناء، والتحفيل، وللأسف تلك النوعية الرديئة البائسة منتشرة في أغلب القطاعات، والدوائر الحكومية انتشار النار بالهشيم، وهذا النفاق هو من ذلٍّ يجده المنافق في نفسه، وغالبًا ما يكون المنافق أكثر ميلًا لمبدإ العمل بأقل جهد ممكن، وهو ما يعني أنه مستعد للقيام بأي خيار يتطلب أداء عمل أقل، لذلك يلجأ للنفاق؛ لأنه يسمح له بالظهور بأفضل شكل ممكن دون أن يكون عليه بذل أي مجهود، وليس مضطرًا للتمسك بالمبادئ، والقيم، ولا الوقوع تحت رحمة من نوبات الضمير، لكن مع الأسىٰ، وبالغ الأسف فإن الاعتماد على المخلوق، والتوكل عليه يوجب الضرر من جهته؛ فإنه يُخذَلُ من تلك الجهة، فما عَلَّقَ العبد رجاءَه، وتوكله بغير الله إلا خابَ من تلك الجهة، ولا استنصرَ بغير الله إلا خُذِلَ .
-وليت ذوي المناصب ممن ينافقهم بعض ضعاف الأنفس ،وقاصري العقول يعلمون تلك الحكمة القائلة  : " إذا سمعتَ الرجلَ يقولُ فيكَ مِنَ الخيرِ ما ليسَ فيكَ فلا تأمن أن يقولَ فيكَ مِنَ الشَّرِ مَا ليْسَ فِيكَ" لَٰكِنَّ أغلبَ ذوي المناصب عادة - إلا من رحم ربي- يألفون من يخادعهم بالكذب، ويعجبون بمن يضللهم بالزيف، ويتملقهم بالنفاق، ويداهنهم بالرياء، ويمدحهم بما ليس فيهم، وهؤلاء المنافقون فى كل زمان، ومكان، مثل الماء، والهواء فما أكثرهم حولنا بأقنعتهم الزائفة! ، وابتساماتهم الباهتة! ، فما أشنعهم، وقد تواطئوا على طمس الحقيقة، وتزيين الباطل! ؛ فديدن المنافق، وعقيدته هي : " أنا مُنافقٌ إذًا أنَا مَوْجُودٌ "، وما ذاك إلا ضعف يقين به ، وانعدام ثقة لديه بالله الخالق الرازق، فهلا استفاق ذاك الملمع من غَيِّه، وفاقَ من بَغيِّه قبل أن يختم الله تعالى بقلبه، وسمعه، وبصره؛ فلا يعرف للاستقامة سبيلًا، ولا للهداية طريقًا قويمًا ، حتي وإن كسب مال الدنيا بأسرها فقد خسر نفسه، ودنياه، وأخراه؛ إذ يوم القيامة سيتبرأ منه من اتبعه، ونافقه يقول الله تعالى {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} البقرة ١٦٦.
-لكنَّ المؤمنَ يقول قليلاً، ويعمل كثيرًا،فأعرابي يجالس الشَّعبي يُطيل الصمت، فسأله يومًا: لمَ لا تتكلم؟قال: "أسمع لأتعلم، وأسكت فأسلم" .
- فما أجمل اليقين في الله! ، والثقة به، والاعتقاد الجازم بأن النافع، والضار هو الله - تعالى- وحده، وأن أهل الدنيا لو اجتمعوا علي ضرك ما ضروك، وعلي نفعك ما نفعوك إلا بما كتبه الله تعالى لك، أو عليك؛ فلا تُعَلِّق بهم رجاءك ولا خوفك، قال تعالى: { أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ}
-وما أحسن اطمئنانك لرزقك بعد سعيك المشروع عليه!  فالذي ضمنه لك الرزاق ذو القوة المتين، وأنت مضغة في بطن أمك قبل نفخ الروح فيك ؛ فقد روي عبد الله بن مسعود قال :أنَّ خَلْقَ أحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا أوْ أرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ المَلَكُ فيُؤْذَنُ بأَرْبَعِ كَلِماتٍ، فَيَكْتُبُ: رِزْقَهُ، وأَجَلَهُ، وعَمَلَهُ، وشَقِيٌّ أمْ سَعِيدٌ.... ".
- يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه:
رزقٌ يطلبُك ، ورزقٌ تطلبه ، فأما الذي يطلبك فسوف يأتيك، ولو على ضعفك، وأما الذي تطلبه فلن يأتيك إلّا بسعيك، وهو أيضاً من رزقك، فالأول فضلٌ من الله ،والثاني عدلٌ من الله.
-فلتقنع أيها المرائي برزقك، ولو كان كفافًا فهو كثير ببركة الله فيه، وقناعتك به ؛ فمدار الكثرة له علي البركة فيه ، والقناعة به لا علي سعته، وكمه؛ فعن عبدالله بن عمرو قال : " قَدْ أَفْلَحَ مَن أَسْلَمَ، وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتَاهُ "
-لتعلم أيها المُلَمِّع أنك ستموت حتمًا لا مفر طال عمرك، أم قصر، فمهما طال العمر؛ فلابد من نزول القبر، وأن من نافقتهم موتى مثلك، وأنكم جميعًا راجعون لملك الملوك الذي لا يظلم أحدًا؛ فيجازيك علي شَرِّ النفاق، والكذب بالمدح، وسوء الرياء؛ فلو تذكرت مصيرك الواقع الذي ليس لك منه دافع؛ ما داهنت أحدًا، ولا نافقت أبدًا؛ فاللسان، وما يصدر عنه مُحَاسَبٌ به، ومَجزِيٌّ عليه؛ ولحرصت علي قول الحق، وظللت ناطقًا بالصدق.

هناك تعليق واحد:

  1. عيد سعيد عليكم جميعا وكل عام وانتم بالف خير وصحه وسعاده يارب العالمين ياحبيبنا الغالي/ابو احمد وابنناالباروفقكم الله وسدد خطاكم

    ردحذف

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.