مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

الرمزية – التاريخية السحرية في تمثيل الواقع - اسامة غانم

 


    تكثر المتناصات الواقعية  على وجه الخصوص في هذا النص المسمى " وليمة الدم " 1، فمنذ البداية يحيلنا العنوان الى خارج اللغة ، واحياناً فإن هذه التضمينات التناصية الابستمولوجية تكون أكثر وضوحاً ، مما تجعلنا القيام في تأملها بعمق ، لقد طمس القاص الخط الفاصل بين التاريخ والواقع والأدب في المتخيل السردي ، وهذا اعطاه الحرية الكاملة في التحرك داخل النص بكل سهولة ، مع الاستفادة منهم .
   هنا ،  نص " وليمة الدم " أكثر تميزاً واعلاناً وافصاحاً ، وهو تعبير عن المعاناة / السجن ،والألم / الظلم ، والغضب/ تجاه الحاكم ، واليأس/ من الشعب ، دون افتعال في لحظة حقيقية ، من بقية نصوص المجموعة التي صدرت مرتين ، فالمرة الاولى صدرت عن دار الشؤون الثقافية ببغداد عام 1994م تحت عنوان " عصر المدن " ، احتوت على خمسة نصوص فقط ، التي هي : مصاطب الآلهة ( مجلة الاقلام العدد6 في يونيو 1988م )– زو العصفور الصاعقة ( مجلة الاقلام العدد 11- 12في 1988م )– القلعة ( جريدة القادسية 28 / 9 / 1987م ) – العصور الأخيرة – عصر المدن . بعد ان قام الرقيب بحذف ثلاثة نصوص التي هي : اصطياد الشمس ليلة خسوف القمر – وليمة الدم – امواج كالجبال ، ولكن بعد وفاته ، أعادت " دار ازمنة " عام 1996م في الاردن نشر المجموعة بعد ان اضافت اليها النصوص الثلاثة المحذوفة ، حملت عنوان " مصاطب الآلهة " عنوانها الاصلي .
     لقد كتب جنداري نص " وليمة الدم " ، بعد ان اعتقل وعذب بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم في العراق ، فحُكم عليه مدة عشرين عاماً ، لكنه لم يبقى في السجن الا سنتين ونصف السنة ، نتيجة احتلال الكويت وتعقد امور العراق وتدخل هيئة الامم المتحدة في اطلاق سراح السجناء السياسيين العراقيين ، وبعد خروجه من السجن بقى يعاني من تجربة السجن الفظيعة التي تركت آثارها على روحه وعلى جسده الى ان توفي في 14 تموز 1995م ، في قرية " جُميّلة " الواقعة على نهر دجلة .
   امام هذا التحدي الكبير ، اصبح القاص يفعل إي شيء ضروري لحماية ذاته من هذه الأعمال الفظيعة ، لذا التجاء الى العقل المقاوم بدرجة لا تصدق الذي بإمكانه أن يخلق عوالم متخيلة متكاملة ، لحمايته من الواقع غير الطبيعي ، غير المنطقي ، لأنه كلما كان الرعب اقوى واعمق ، كلما كان المتخيل اكبر من ناحية أخرى ، عليه يمكن ان يكون المتخيل اكثر واقعية مما نتصور بكثير ، بمعنى امام هكذا صور تتسم بالوحشية والعنف ، يصبح المتخيل فيها لا تحده حدود ، ولا تقيده قيود . فالمتخيل يتفاعل مع الرمزي والواقعي في علاقة جدلية ، لذا لا يحصل المتخيل على فاعليته الا اذا التحق بالرمزي لأن البنية الرمزية تفصل المتخيل عن الواقع . وكذلك أن هناك تضامناً بين الرمزي والتأويل ، فالمعنى المضمر أو المخفي ينبغي البحث عنه ، والتأويل هو الذي يقوم بهذه المهمة المُهْمة ، اذ من الضروري مبدئياً أن " يشير النص ذاته الى طبيعته الرمزية ، أي أن ينطوي على مجموع من السمات المؤكدة التي يمكن تحديدها والإمساك بها ، سمات يحملنا النص من خلالها على القيام بتلك القراءة الخاصة التي هي التأويل "2. وهذه القراءة التأويلية تسعى الى استعادة القيم الثقافية – المعرفية التي شكلت النص الأدبي .
   يقول محمود جنداري في أحدى مقالاته المنشورة في مجلة الاقلام عام 1970م ، وذلك دلالة على  ارتباطه بواقعه بقوة في خلق وعيه ، يقول : ان الارتباط بالواقع . ارتباط الفنان بالواقع – هو الوعي بالمشاركة في عملية خلق وتجديد الإنسان لنفسه باستمرار باعتبار ان هذا الوعي ، ارقى اشكال الحرية كما يقول غارودي "3. وهذه الرؤية تلتقي مع رؤية توماس مان المواربة والواقعة تحت الظلال الكثيفة عندما يشير بان الكاتب الساخر يقف في نقطة خارج الحياة ، ويستطيع منها أن يتأمل الحياة 4، وهذه النقطة خارج الحياة هي في نفس الوقت نقطة التقاء الذات بذاتها ، وهي نقطة نقد الذات ونقد العالم بكل اشكاله ومسمياته . وهذا الوعي يدفع بهذا الإنسان الخلاق بان يدافع عن الإنسان الأخر : المقموع – الضائع – المهزوم – اليأس ، الإنسان المتلبس بالخوف والمطوق بالرهبة ، كما هو حال السارد في النص ، ليكون تؤام اسامي  للخوف في جميع صفحات النص ، فالطغاة يروجون للخوف بوصفه الحقيقة الكبرى المهيمنة داخل المواطن . على اعتبار الخوف جزء من سلطتهم " يا سيد الحزن لا تلمني إذا ما لامست بطني طينك اللزج واحتويت الخوف حتى صار لي صديقاً / فكيف وأنت بداخلي تتبدد قطرة قطرة ، وأعيد تكوينك قطرة قطرة ؟ / يا حيّ هاك يديّ ، واستل من رؤوس الأصابع خيوط الخوف / لا تشفق عليّ / أسحبها حتى وإن خرجت معها الأظافر / أنت لا تعرف ما الخوف / وأنا أراه لحظة بلحظة / - ص 599" .  
ومنذ البداية يخبرنا السارد ، بأن هنالك وليمة ستقام ، والتي اطلق عليها " وليمة الدم "ولكن لمن ؟  " وليمة للآلهة والملوك والحكام والسيدات العظيمات / للآلهة التي لا تحاكم الإ بالعصا / للآلهات اللواتي يفتحن متى شئن فروجاً واسعة في أي مكان من أجسادهن الثلجية – ص 599 " .
   إن الوليمة بدأت ، وكان المشرف عليها الحكام القتلة عبر العصور ، أي منذ أن تعلم الإنسان القتل ، منذ أن تلطخت يدي قابيل بدماء اخيه ، يصور محمود جنداري ذلك بقصدية فنية عالية مازجاً تاريخ الإنسان المغرق بالدم ، وبالذات يرصد نزيف الدم الذي يجري في العراق ، والاكثر من ذلك عمل على تداخل الاحداث التاريخية مع بعضها البعض ، ليرسم بها صور مخيفة فضيعة لما حصل ويحصل وسيحصل ، انها لعنة الدم ، لعنة الموت ، ورغم كل ذلك يريد السارد أن يعيش حتى يشهد نهاية الوليمة ، الى حد أنه يسأل الوطن ، هل يعمد ارواح الموتى بدم الأطفال أو بدم الكلمات ؟  " مدنك الجميلة المقدسة تنوح نواحاً يمس وجه الله وتبكي بدموع من دم وتنهار / مدينة اثر مدينة / وأسوارك العالية ، تتداعى سوراً إثر سور ، وأحجار حدودك تتهشم تحت سنابك الخيل حجراً إثر حجر / مدينتك زربيار التي جعلت لها ثلاثمائة باب وثلاثمائة منارة تنتحب / مدينتك بابل / التي جعلت لها مائة باب وعشرة معابد وإحدى عشرة مسلة من حجر الجرانيت / مدنك هذه بدأت تفرغ أبناؤها يهجرونها فراراً من : الحرائق والجوع والكيمياء والفسفور متجهين الى قمم الجبال أو أعماق الأنهار – ص 606 " . أي الجبال / الاهوار . ثم يعرج على مجزرة كاورباغي التي حدثت في 12 تموز 1946م ، عندما قامت قوات الشرطة بأطلاق النار على مجموعة من عمال شركة نفط كركوك المضربين عن العمل للمطالبة بحقوقهم والذين كانوا متجمعين في حديقة " كاورباغي " في كركوك . وعلى جمهورية مهاباد التي تأسست عام 1946م بقيادة الزعيم الكردي قاض محمد في مدينة مهاباد الايرانية ، واجهضت في نفس العام واعدم القاضي محمد . هنا ، يلتفت السارد ليسأل الحاكم " هل تريد أن نغادر الوليمة قبل أن ترى النهاية؟ - ص 620 " . وهو الذي يريد ان يشاهد نهاية الوليمة . ولكن تبقى وليمة السلطة مستمرة لا نهاية لها .
وليس ذلك فحسب ، بل يعمل القاص على دفع المتلقي دفعاً ، لكي يتسأل ، من هو الحيّ الذي يقصده ؟ وحتى السارد يشترك مع القاص في الإجابة ، إجابة على شكل اسئلة متداخلة ، مبهمة ، مظللة :
* يا حيّ وأهلك أهلي خائفون / والخائفون ينجذبون لبعضهم ، طوائف وقبائل يجمعها الخوف ويفرقها في آن / لكن يا حيّ ألا ترى معي أن ثمة فرساناً يهرولون رعباً أو شجاعة من ( توججول ) الى ( طاسلوجه ) ؟ - ص 600.
*والفروج ، أعذرني يا حيّ ، الفروج اختلطت في ظلماتها دفقات المني والدم – ص 601.  
*ما أنت ياحيّ / حلم أم كابوس ، مقبرة أم غابة / فرج أم قنينة حبر ؟ / سأسميك أبي وأدعوك الى الوليمة – ص 601 .
* أنا وأنت واحد / يجب أن اردد هذا يومياً . ميت بحي وحي بميت / أنت الحي وأنا الميت فهلاً أعطيتني حبل الكلام – ص 601 .
* لماذا يا حيّ ، وكيف خلقت هذه السيدة التي تتجه الآن صوب الساحة – ص 603.
* من أين يأتي الكلام يا حيّ وأنت دخلت بي عصر الرصاصة وغادرت عصر الكلمة / لا تقل أن الكلمة الحق اختفت / موجودة / لكن أين الكلام ؟ - ص 604 .
* أنا أتسقط أخبارك يا حيّ فلا أجد سوى القتل في حفيف الرياح وفوران الماء والدم – ص 609 .
* ولكن يا حيّ متى تكتمل الشهوة / متى يفور تنور الله . / أليس بعد أن يختلط الدم بالمني / ص 613.
هل عرفت ايها المتلقي من هو الحيّ بعد قرأتك لهذه المقتطفات الدلالية ؟ حسنا .. لنقرأ جملة مهمة للسارد تضعنا امام مواجهة الحيّ ، من خلال " الخوف " واقترانه به الذي هو الحيّ :
" ماذا أفعل لخوف قد استوطن فيّ يا " وطن " الخوف / ص 612 " .
     ابداً ، لا يستطيع القارىء الوصول لمعنى كلمة " الحيّ " ، من خلال هذه المقتطفات العديدة للمقصود به لأن المعنى الحرفي شيء والمعنى المجازي شيئاً آخر في الكتابة السردية الحديثة، اكان المقصود به : الله – الوطن – الشعب – المنقذ – الذات الكاتبة ، تشعبت التأويلات وتعددت واختلفت ، لذا فأن المعنى يبنى بصفة أولية من خلال العلاقات اللفظية ، لكن من المؤكد بقى الحيّ في النص رابضاً ما بين الرصاصة والكلمة ، ما بين الرصاصة / القاتل و الكلمة / الكاتب ، ومن واجب الكاتب المثقف نشر المعلومة التي تجري في البلد "  أقول لهم : أبدؤوا عملكم الآن : اكتبوا تاريخ هذا الطين وأبدؤوا من حيث شئتم /أليس هذا ما ينبغي عمله يا حيّ ؟ .. السنا مثقفين ؟!. – ص 613 " .  لهذا يبقى السارد الى السطور الأخيرة يبحث  ويطلب من المثقف الكاتب ، كتابة الحقيقة بلا خوف وبلا تملق ومداهنة  " يا إله الكتابة .. يا إله الكتابة أخرج الينا / انتشل نفسك من هذا الوحل / يا آلهة النار أطلقوا إله الكتابة  - ص 626 " . وهنا إله الكتابة هو الكاتب – المثقف الذي يجب ان ينأى بنفسه عن هذه الماكنة الاعلامية المودلجة المضللة ، وفضح وادانة اولئك الذين كتبوا في مدح وتمجيد حروب الطاغية طمعاً في المغانم والمكاسب المادية .
  ويكفي ان نشير الى بعض الاقوال السومرية التي قيلت بحق الكتابة والكاتب مثل " الكتبة المتفوقون مضيئون كالشمس " ، وفي الاسطورة السومرية نظّم إله الحكمة انكي العالم بعد الخليقة واعطى كل إله دوراً في النظام العالمي ، وسميت نيسابا كابنة الآلهة فقط ، وعد مصدر الكتابة الهياً ، ونابو كان رب الحكمة والكتابة ، والآلهة كشتن اخت الإله دموزي اعتبرت من آلهة الكتابة ، فان الكتابة لدي السومريين مقدسة جدا وتعتبر مهنة رفيعة جدا .
   ومن خلال قرأتنا لنصوص " مصاطب الآلهة " نرى ان الوعي السردي لدي جنداري يضعه في " سياق ان يكون هو ( انا ) السارد ، أو الحاكي ، أو المؤول ، أو ( هو ) صاحب الاعتراف ، لأن هذا الاعتراف سيكون تطهيرياً من جانب ، وتبريرياً من جانب أخر للتعرف على زمن السرد ، وعلى هوية المكان المتخيل "5 . وهنا ، الكتابة السردية التي هي ما وراء القص ، ذاتية الانعكاس ، تتمثل في وجود تخيل فوق التخيل الأصلي مرتبطة في الوعي السردي بشكل متين وقوي ، رغم استقلالية كلا منهما في سياق الخطاب السردي .
لذا ينبغي أن  " تكون افعال الوعي ، كما جادل سارتر في الوجود والعدم ( 1956م ) واعية بذاتها ، بحيث يتوجب على الوعي ، حتى عندما يركز على شيء آخر – عند الكتابة على سبيل المثال – أن يظل على معرفة بنفسه على حواف الوعي والا لن تتمكن الذات من الاستمرار في الكتابة "6 .
   وتركز ما بعد الحداثة هنا على مسألة الوعي، يعني أن يطرح التمثيل نفسه بشكل واع باعتباره صورة من الصور المتعددة للواقع، وليس صورة كلية له، " ليست القضية أن التمثيل يسيطر الآن على المرجع أو يلغيه، بل إنه الآن يعي وجوده كتمثيل – أي كمفّسر (وفعليا كخالق) لمرجعه "7. وهذا ما حققه جنداري ، عندما قام بوصف واقعة اخذهم من اقبية المخابرات العامة الى محكمة الثورة عام 1990م ، والذي كان عددهم سبعة وعشرون رجلاً ، في نص " وليمة الدم " ، حيث تم الحكم على سبعة عشر واحد بالإعدام والعشرة الباقية بالمؤبد ، يقول : " من اين يأتي الكلام يا حيّ وأنت دخلت بي عصر الرصاصة وغادرت عصر الكلمة / لا تقل أن الكلمة الحق اختفت / موجودة / لكن أين الكلام ؟ ومن أين يأتي ؟/ تراصف معي وتعال لنتطلع من كوة واحدة / لترى كيف ينبعث الموت من هذه المائة شيء / كيف تتبدد الرهبة ويفيض الإحساس بالخوف اللذان يتوفران فيك بكميات كبيرة / الخوف والرهبة اللذان ( شعرنا بهما بشكل حقيقي ونحن في الطريق الى المحكمة في تلك السيارات المغلقة / تحف بها سيارات أخرى ، مصفحة ودبابات وطائرات مروحية / سبعة وعشرون رجلاً لا يعرف أحدنا الآخر / لكننا نعرف أننا نساق الى المحكمة – ص 604 " .
    يطلق على الكتابة التخييلية للقصة مصطلح الميتا قص وهي التي " تلفت الانتباه بطريقة واعية بذاتها وانتظامية لوضعيتها بوصفها نتاجاً صنعياً بهدف طرح الأسئلة حول العلاقة بين المتخيل والواقع .ومن خلال تقديم نقد لطرائقها في البناء ، تفحص هذه الكتابات ليس فقط البنى الأساسية للمتخيل السردي ، ولكنها تستكشف التخييل المحتمل للعالم خارج التخييلي الأدبي "8 . وهذا يؤدي بالمتلقي الى اكتشاف أن عالمنا الواقعي لا يمكن ان يكون العالم الواقعي لنص القصة أبداً .
   وقد كان جنداري يؤكد على أن يقوم القارىء بمسك الخيط السري " الذي يشبه الحبل السري الذي يغذي الجنين " الذي يجمع كل عناصر النص ، واطلق عليه " جمرة النص " . فجمرة النص التي تعمل في ذات الوقت على محاولة إعادة تشكيل الأشياء من خلال وجهة نظره المتبلورة في داخل ذاته اصلاً ، في عالم يتسيده القاص المغامر لإنتاج رؤية تمثله هو وحده . وتعمل في الانتقال من تمثيل الواقع الى تمثيل السرد ، وطرح كليهما أي التمثيل والسرد كعناصر إشكالية في بنية النص / القصة .  " لقد خدعتني وأنا ميّت فلن تخدعني وأنا حي في " أبي غريب " / وأنا معصوب العينين مصدقاً زعمك أن للذئب توبة / التوبة في موته / لقد انقضى العمر سريعاً يا أحلام / كان قمرك بدراً كما أخبرتني / كانت لفة القطن الملوثة بالدم قد سدت فوهة البالوعة في العربة / ونحن في عربة القطار النازل من الموصل / كنت سعيداً في تلك الليلة / لست سعيداً وأنا أنفصل عنك / ولكني أريد أن أعيش حتى أشهد نهاية الوليمة / أريد أن أسمع آخر قصيدة لابن يوسف  - ص 608 " ، فهذه القطعة السردية تشبه اللقطة السينمائية التي تجمع كذا صورة في لقطة واحدة فقط ، ولكل صورة مخاطب مختلف :
1-هو سجين في سجن أبو غريب ببغداد .
2- عندما كانوا يحققون معه في شعبة المخابرات كانوا يعصبون عيونه حتى لا يعرف من الذي يحقق معه .
3- لا توبة للطغاة .
4- حبيبته احلام والدم الذي يجتاح كل شيء .
5- يريد أن يعيش لكي يرى نهاية القتل وطوفان الدم ونهاية الطاغية .
6- ويريد أن يسمع آخر قصيدة للشاعر سعدي يوسف .
    ولكنه يبقى  " يراهن " على الكلمة الحرة ، والمحبة ، واحترام الرأي الآخر ، والتوقف عن الايغال في سفك الدم ، والتوقف عن استخدام الأسلحة مع الآخر ، وهو يعرف أن الكلمة / الحرف اقوى واكثر فاعلية من الرصاصة / الموت ، وهنا يقترن السارد بعمق مع الحيّ في الايمان والتوجه بأن الإنسان – الكلمة هو الحق ، فيكون " نحن " مقابل " هم " . " أنت تعرف يا حيّ أن الكلام يضرب في العمق / وهم يعرفون ذلك / وأنا وأنت نراهن على الكلمة ونقول إنها تضرب في العمق وتثبت في الطين / هم يعرفون أن القنبلة تنفجر بدلاً من الكلمة / وبدلاً من القمر الكبير الذي يسكن وسط العالم ؟ انفتحت سماوات الدم تساقط على مدنك المقدّسة ، أرابخا ، ولكش ، وبابل منذ أربع قرن .. يا حيّ ... ياه – ص 606 " .
 
الهوامش والاحالات
1- محمود جنداري – الاعمال الكاملة ، دار تموز للطباعة والنشر والتوزيع ، دمشق / سوريا ، 2018م .
جميع الاقتباسات التي في الدراسة مأخوذة من كتاب الاعمال الكاملة ، لذا سوف اشير الى رقم الصفحة فقط .
2-تزفيتان تودوروف – الرمزية والتأويل ، ترجمة وتقديم : د اسماعيل الكفري ، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع ، دمشق / سوريا ، 2017م ، ص 44 .
3-محمود جنداري – الوجه الواحد في خطوات المسافر نحو الموت ، مجلة الاقلام العدد المزدوج 11-12 / 1970م ، بغداد – العراق .
4- فيلهلم امريش – الفن القصصي في القرن العشرين ومغزاه التاريخي ، مجلة فكر وفن العدد (23 ) 1 / يناير / 1974م .
5- علي حسن الفواز – استعادة محمود جنداري : الكتابة الضد وظاهراتية الوعي ، جريدة القدس العربي  ،العدد 7571  في 23/ اكتوبر / 2013م .
6- باتريشيا وُوه – الميتافكشن : المتخيل السردي الواعي بذاته : النظرية والممارسة ، ترجمة : السيد امام ، دار شهريار ، البصرة / العراق ، 2018م ، ص 38 .
7- ليندا هتشيون – سياسة ما بعد الحداثية ، ترجمة : د حيدر حاج اسماعيل ، المنظمة العربية للترجمة ‘ بيروت / لبنان ، 2009م ، ص 14.
8- باتريشيا وُوه – الميتافكشن  ، ص 8 .

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.