مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

عبطان - بهاء البابلي

 


" اني متأكد هوايه من أساتذتي الشعراء ربي يحفظهم جميعاً راح يزعلون عليه ، بس يشهد الله  هيه هاي الحقيقة .."

............
 يقول سمعان الأشقر ، المسيحي الأخير في الحلة وصاحب النكات التي لا تنطفئ ابداً .. إن الشعر هو آدم الفنون جميعها  وما خلاه نسل ثانوي ليس إلا .
" شعراء وعصافير "
بعد أن فشل عبطان في أن يصبح شاعراً ، تكلّس الحزن في صدرهِ وأصابته الكآبة المكوّرة ، حتى فكر في ولوج عالم النثر ليتجنب بحور الخليل التي قد تطيح به زحافاً على إقواء ؛  لكنه فشل في ذلك أيضاً لشحة ما يمتلك من خيال ولافتقاره الشديد لذخيرة المفردات التي يز بها الجمل الشعرية . نصحه ذات يوم صديقه فلاح بأن ينعطف إلى فكرةٍ مذهلة  قد تجعل منه في خط الشعراء المشار إليهم بالابداع  رغم وقوعها في خانة الحرام ، فقال له بصوت هامس ..
_ إسمع عبطان ..هناك دواوين شعر منسية لشعراء كانوا قد كتبوا تجاربهم الأولى وسرعان ما اكلتهم المعيشة وفشلوا في الوصول إلى الجمهور  فظلّت هذه الدواوين على أرصفة المكتبات تباع  كل خمسةٍ منها بألف ، كما وأنصحك أن تركز على الذين كتبوا في عقد الخمسينات والستينات وحتى السبعينات ، وستكتشف درر شعرية لم يقرأها احد ،  وتأكد أن أغلب  ناسجيها قد رحلوا  ، أما الاحياء منهم فهم منشغلون بشيخوختهم المريرة . بالفعل بدأ عبطان برحلة البحث عن الشعر المتدثّر بالنسيان فوجد كميات كبيرة للغاية استطاع ان ينالها بأثمان بخيسة . راح الرجل يقرأ بتمعن فريد حتى قدحت في رأسه فكرة مغايرة  تماماً تتمحورُ في أن يدون كل المفردات  التي كُتبت بخط اليد  على الأغلفة أو بطون الصفحات التي تحتضن بياضاً نصفياً .. بعد خمسين ديواناً تكونت مجموعة جمل ومفردات وعبارات وحتى رسومات مفهومة وغير مفهومة ، الأمر الذي دفعهُ لتصوريها بالمجمل ووضعها على جدار حجرته المقابل للسرير . ذات مساء وبينما كان يتأمل هذه الذكريات والخربشات والمفردات اليتيمة اكتشف شيئاً غاية الغرابة ، شيئاً يكاد يكون هو والمجهول على ذات الخط . فلقد تبين أن هنالك حروف منفردة صغيرة كتبت مبعثرة  على صفحات متباعدة وفي دواوين متفرقة .  بعد أن  بدأ بترتيب هذه الحروف حسب التسلسل الزمني الذي اعتمده من خلال سنوات الطباعة  ، ومراعاة  عدم تقديم أو تأخير أي حرف ، بل حسب  الأولوية الصريحة  تشكلت جمل رهيبة وخطيرة للغاية .. كانت الجملة الأولى التي تشكلت  بعد مزج الحروف مع بعضها تقول ..   "ينغرسُ الجوري في الحدائقِ و السنادين ، أما في قلوب الشعراء فتنغرسُ الورود جميعها  " أما الثانية فتقول " سيتقاتل الحب والخبز ذات يوم فمع من ستكون ؟ " أما النص الأخير الذي تشكل فلقد كان مذهلاً حقاً فهو يقول  .."  إلى الشعراء في هذا العالم الذي سيرحل ذات يوم ، انتم أعظم ما انتجت هذه الحياة ، انتم فوق كل الشهادات العليا وعلى قصائدكم تغفو الحياة الطيبة ، ماذا يساوي الابتكار العظيم أمام قصيدة حب زهرية ؟ وماذا تساوي المناصب الرفيعة أمام حروفكم التي تتزين بالفراشات . تحية لكم ولجيوبكم الخاوية ،  تلك  الجيوب التي استبدلت المال بقصاصة ورقٍ وقلمٍ مازال  يكتب  وبكل ثقةٍ  عن احلام العصافير ويرسم للصغار عالماً تطوفه المشاعر . نحبكم جداً ، جداً جداً ، يابه والعباس انحبكم ...."

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.