مساحة اعلانية

مجلة الكترونية دولية مستقلة تعنى بشؤون الفكر والثقافة والأدب والفنون ..

المؤرخون اليهود الماضون والمؤرخون الصهاينة الجُدد المختصّون بتاريخ العراق المعاصر - ا.د سيّار الجميل

 

ملاحظات أمام المثقفين العراقيين : أمامكم إشارة مرور حمراء: توقّفوا رجاء!

أولاً : أين المشكلة ؟ وما الاشكالية التي اريد اثارتها ؟ 
بادئ ذي بدء، أنا لست ضدّ اليهود كبشر ومثقفين وعلماء في هذا العالم، ولست ضدّ اليهودية كديانة قديمة لها تقاليدها وتواريخها،ولكنني ضدّ الايديولوجية الصهيونية ومن يؤمن بها وتسويقها لليهود كونهم من المتميزّين على البشر، وأنهّم شعب الله المختار ! وهم يعلمون بأنهم قد عاشوا تاريخياً في العالم الاسلامي أفضل بكثير من حياتهم المضطهدة في شتات عوالم وامبراطوريات أخرى، ولكنهم لم يعترفوا أبداً بمن حماهم تاريخياً في عيشهم ورزقهم وجعلهم محلّ ثقة وأمان، وخصوصاً في العراق منذ الاف السنين، وأنّ الأحداث المؤسفة التي طالتهم والفرهود الذي لحق بهم إبان الحرب الثانية في العراق كانت له عوامله وأسبابه الخارجية والداخلية المعقدّة، كما أنّ الاعدامات التي لحقت بهم قد لحقت بغيرهم سواء من المسلمين أو المسيحيين، وتلك أخطاء إرتكبها بعض من حكم العراق، ولم يقبلها العراقيون، فلا يمكن أن يتمّ التنكيل بالعراقيين وتاريخهم كلّه بجريرة حكّام مستبدين حكموا البلاد وأهانوا كلّ العباد . وهذه مشكلات تاريخية لا يمكن أن يبتّ فيها طرف واحد من المؤرخين من دون الاستماع الى مؤرخي الطرف الاخر بأسانيدهم ووثائقهم التي تدين جماعات يهودية كانت وراء تشكيل خلايا سرية ومحظورة .. وأن غالبية اليهود العراقيين هم الذين سعوا الى ترك العراق والهجرة الى اسرائيل وأن اسقاط الجنسية العراقية عنهم كان أمراً قانونياً لأنّ القانون العراقي لا يسمح بازدواج الجنسية .. 
ثانياً : مؤرخون يهود عرفتهم وحاورتهم
عرفت على إمتداد حياتي العلمية العديد من المؤرخين اليهود، وإلتقيت ببعضهم وحاورت الآخرين منهم سواء في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية في جامعة لندن أو في جامعات أميركية وكندية أو في مؤتمرات شتى في العالم، وأخذت أفرّق فيما بينهم ، وخصوصاً أولئك الذين تمتد أصولهم الى العراق أم غيره ، وبعضهم أهداني بعض كتبه مثل د. شموئيل موريه وخصوصا " تراجم وآثار في الأدب العربي في اسرائيل 1948 – 1986، فشكرته. أما من حاورتهم طويلاً  وجدتهم معاندين لا يمكن التوصّل معهم أبداً الى نتيجة أمثال المؤرخ ايلي خضوري وزوجته المورخة سلفيا حاييم وأصلهما من العراق، وقد قال لي مرة  أنه رفض الأخذ بتصويبات أستاذه المشرف لاطروحته، ولم يمنح شهادته في الدكتوراه جرّاء إصراره على تثبيت ما يراه وهو خطأ وبقي معانداً ولم يمنح الدكتوراه ! أما زوجته سلفيا ، فقد أتعبتني جداً عندما كانت تحرّر حولية الشرق الاوسط، إذ كانت تفرض على الباحثين الانصياع لما تريد تثبيته، ففي بحث موثّق لي عن جمال الدين الافغاني أصّرت عليّ أن اخذ بملاحظاتها فرفضت وقمت بسحبه ونشره في حولية أخرى.  هناك أيضاً المؤرخ سامي زبيدة الذي عرفته في جامعة لندن، وكان يتابع ما أنشره منذئذٍ، وجدته أريحياً وطبّاخاً ماهراً، لكنه لا يمكنه الخروج من الطوق الذي يؤمن به ، كما عرفت المؤرخة سارة شيلدز التي عرفت باطروحتها الممتازة "الموصل  قبل ولادة العراق : خلية نحل تصنع بيوتاً مخمسة الأضلاع"، وهي يهودية، ولكنها قضت حياتها بادانة السياسات الصهيونية ضد الفلسطينيين وتمتلك روحاً عربية، وثمّة مؤرخين يهود على شاكلتها امثال المؤرخ البريطاني اليهودي طوني جودت الذي له وقفاته ضد الصهيونية . وكنت قد حاورته بعد القائه محاضرة رائعة في مانهاتن بنيوريوك عام 2007 . أما غالبية المورخين اليهود الذين اختصوا بتاريخ العراق، فهم جميعاً يريدون إحتكار تاريخ العراق بإسمهم، وبقوا هكذا حتى نهايات القرن العشرين ، ولكن اليوم ، برز جيل جديد من المؤرخين اليهود الجدد، فمنهم غارق في صهيونيته وغلوائه حتى العظم وهو مستعد للتشويه والتدليس في تاريخ العراق الحديث كرهاً وانتقاماً، وقسم يريد الخروج من الطوق الصهيوني، ويعترف بالجنايات الصهيونية ضدّ الفلسطينيين ، وكنت قد نشرت مقالة في جريدة البيان قبل سنوات عن المؤرخين .. أولئك الذين يقطنون إسرائيل نفسها . 
ثالثاً : الاشكالية التي أريد إثارتها
التفت الآن الى مشكلة بعض المؤرخين والكتّاب العراقيين الجدد، وجرّاء عوامل شتى سياسية ومذهبية وايديولوجية، فقد إستسلم هذا البعض إستسلاماً بليداً وتاماً لبعض المراجع  الاجنبية من دون تدقيق ولا نقد ولا مقارنات ولا تمييز، وخصوصاً تلك التي  كتبها بعض المؤرخين المغرضين والمدلّسين والصهاينة المزوّرين والذين يسحبون الماضي لتدمير الحاضر بأيّ ثمن، وكأننا اليوم نتحمّل أوزار الماضي  من دون الأخذ بمبدأ " ولا تزر وازرة وزر أخرى ". 
السؤال : من فتح الباب في التجنّي على تاريخ العراق المعاصر ؟ 
لقد غدا كتاب المؤرخ حنا بطاطو من الكتب المقدّسة عند بعض الكتاب والمثقّفين العراقيين الجدد، وخصوصاً عند الراديكاليين الذين لعبث المؤدلجات في عقولهم ، وممن ترّبوا على نزوعات كارهة لأخوتهم من بني وطنهم،(وسنقف لاحقاً وقفة نقدية عند الخطايا التي إرتكبها بطاطو)، خصوصاً وأنني كنت قد إلتقيت الرجل ثلاث مرات وخبرته تماماّ، وكنت أوّل من نشر عنه وعن كتابه" الطبقات الاجتماعية في العراق"، ولكن باستثناء بطاطو ومن على شاكلته من مؤرخين غربيين نشروا في تاريخ العراق الحديث، أمثال: وليم روي بورك وغيوث سايمونز وجارلس تريب وروبرت اولسن وفيب مار  وبيتر سلاكليت وزوجته ماريان ( التي كانت متزوجة قبله من شيوعي عراقي )  وديفيد ماكدوال ومايكل روبن وريتشارد باتلر  .. الخ 
ثمّة مؤرخين صهاينة جدد غير موضوعيين تعمّدوا الاساءة والتنكيل وشوّهوا تاريخ العراق وأثاروا من خلال كتاباتهم النعرات الدينية والطائفية والعرقية واصدروا احكاماً جائرة .. يستسلم بعض الكتبة الجدد من العراقيين لها وهم فرحون لما  قاله أولئك الصهاينة، فنجد هذه الثلة العراقية راحت تترجم منهم وتنقل ما يقولونه حرفياً من دون أيّة ردود علمية ومعالجات نقدية أو فحص  دقيق  للمعلومات والاحكام ، فالعراق الذي  يتكّلمون عنه بقسوة لم يكن هكذا كما وصفوه ، بل كان كلّ العالم يحترمه ويحترم تاريخه وشعبه ويدهش بثقافة أبنائه ومبدعيه.. وعليه ، فمن مستلزمات المؤرخ العراقي الاخلاقية عدا نزعته الوطنية أن يكون موضوعياً ودقيقاً ويدافع عن تاريخ أهله ووطنه، ويتأكد من مضامين المؤرخين الآخرين في العالم ونزاهتهم في الذي  كتبوه عن العراق بالاعتماد على الوثائق الرسمية العراقية والبريطانية والعثمانية، كما ينبغي الاعتماد على مضامين اخبار الصحف القديمة  لا أن يصفّق  لمن ينكّل به.
رابعاً : هل هؤلاء الصهاينة يعرفون عن العراق أكثر من أبنائه وعلمائه ؟
ثمّة نقطة محورية وأخلاقية في البحث العلمي إفتقدها البعض من الكتّاب العراقيين الجدد للأسف الشديد، ذلك أنّهم يغيبّون ويتجاهلون ويهملون عن قصد أعمال مؤرخين عراقيين ممتازين عن عمدٍ ويتنكّرون لها، وهي غير قليلة، وثمّة أطروحات ورسائل ودراسات تعدّ مراجع ممتازة قدّمها ونشرها مؤرخون عراقيون في القرن العشرين، وهم لم يصنفّوا أنفسهم الاّ كعراقيين اليوم. أمّا اليوم ، فقد غدت النوازع الطائفية والانتماءات الايديولوجية والسياسية تفعل فعلها عندما يتنكّر العراقي لأعمال عراقي آخر من غير مذهبهِ أو من غير إتجاهه السياسي أو من غير مدينته او بسبب كراهيته الشخصية لهذا وعشقه لذاك ! ويتراكض نحو آخرين صهاينة يتعاطف معهم للتنكيل بالمجتمع العراقي برمّته تنكيلاً لا أخلاقياً. لا ضير أن إعتمد الباحث والمؤرخ والكاتب على مراجع متنوّعة، ولكن دون أن يستسلم لها عن غباء أو عن إعجاب من دون تثبيت للوقائع ودحض للاراء التي أخذها ونسخها واعتبرها من المسلّمات. إنني أجد إهمالاً مفضوحاً عن عمدٍ وتقصّدٍ وسبقَ إصرار وترّصد لأعمال المؤرخين العراقيين المحدثين الذين كانت لهم أعمالهم القيّمة في إثراء تاريخ العراق الحديث والمعاصر، أمثال: زكي صالح وعبد الرحمن البزاز وصالح العابد وفاضل حسين وكمال مظهر ومأمون زكي ونجدة فتحي صفوت وخليل علي مراد وعماد الجواهري وفاروق العمر وغيرهم  ناهيكم عن  مصادر تاريخية مهمّة جداً كتبها محمد أمين العمري ومحمد مهدي البصير وعباس العزاوي وعبد الرزاق الحسني  ومير بصري  وجعفر خياط وخيري العمري  وغيرهم وكتب المذكرات التي لا يحصى عددها .. الخ 
خامساً : من هم أولئك المؤرخون الصهاينة ؟
ينبغي القول أن المؤرخين اليهود ليسوا كلهم بصهاينة ، وليس كل من كتب عن تاريخ العراق من اليهود كانوا صهاينة  أو متعاطفين مع الصهيونية ، وتكفي الاشارة الى : سامي زبيدة وايلي خضوري ويسحاق نقاش (الذي يبغي سحق العراق) وافرايم كاراش وباشكين وحاييم كوهين ويهودا شنهاف وصدوق ماسليه ونجوان وموشيه كات وريفا سايمون وموردخاي نسيم وآفي شلايم (الذي كتب عن تهجير اليهود العراقيين ودلّس معلومات لا حصر لها) ويسحاق نقاش(الذي أساء لتاريخ المجتمع العراقي) !! وغيرهم. ثم أسأل : ما هذا الاستسلام الكامل لهؤلاء أو غيرهم أمثال حنا بطاطو الذي  يعتبر كتابه عند أغلب المثقفين العراقيين سفرا وانجيلاً ، وقد استسلموا له دون تدقيق ولا مناقشة ولا أي فحص للمعلومات والمستندات وجعله نخب العراق السياسية مجرد أرقام  !  ان هؤلاء الذين يسمون أنفسهم بمؤرخين ، أجدهم يسندون ما يكتبونه الى مراجع معينة ، ولكن عند رجوعي لها للتأكد منها  لم أجد ما قالوه  وإستندوا اليه !!!  أو أن  يتمّ  النقل او النسخ دون البحث عن الاسانيد ونشر ما تمّ  نسخه او سلخه في سجل ليصنّف كتاريخ كيدي إنتقامي لا أساس له من الصحة . والمصيبة تتمثّل بجعل الناس تتّخذ مواقف خاطئة وتقتنع بأحكام  ظالمة . ان هذا الوباء التاريخي سينتهي تماما مع وعي الاجيال الجديدة .. وينتهي من يروّج لمثل هذا النزوع تماماً .
سادساً : وأخيراً  : توقف  اشارة مرور حمراء !
 بأنني لا يمكن لي وليس من حقي أبداً أن أمنع باحثاً أو طالباً أو كاتباً مثقفاً أو مؤرخاً من إستخدام أيّ مرجع من المراجع حتى التي كتبها أولئك المؤرخون الصهاينة ، ولكنني أطالبهم جميعاً بفحص مقروءاتهم ، والتدقيق في  مسردات ونصوص أيّ مرجع كي لا ينقل الأخطاء والتحيّزات المتعمّدة الى مضمونه أو يعتمد ما قاله الآخرون بلا تمييز، وأن وجد خطأ  فيذكره ويقدّم المستندات في نقده وتفنيده .. فتاريخ العراق المعاصر لا يمكن ان يحتكره لنفسه أحد، وهو أكبر من أن يجلده أحمق كهذا وينكّل به معتوه كذاك . توقّف قليلا أيها المثقف العراقي الجديد ، فان أمامك اشارة مرور حمراء ..وأعلم انه تاريخ لجميع العراقيين قاطبة ، وستأتي أزمنة قادمة تحّل من خلال أبنائه الأذكياء مشكلات  التاريخ وستضحك الأجيال القادمة على مهزلة اليوم .
الصور المرفقة :
الصورة الاولى : المؤرخ الاميركي الراديكالي  حنا بطاطو
الصورة الثانية : المؤرخ البريطاني الراديكالي بيتر سلاكليت
الصورة الثالثة : المؤرخة اليهودية البريطانية سلفيا حاييم ( من اصل عراقي)
الصورة الرابعة : المؤرخ اليهودي البريطاني سامي زبيدة ( من أصل عراقي )
الصورة الخامسة : المؤرخة اليهودية الاميركية  سارة شيلدز  .

ليست هناك تعليقات

يمكنك التعليق هنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.